للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أصابه مرات أخطأه عشرات، على أن الذي يصادفه من الصواب لا يمكن الوثوق ببقائه معصومًا من التغيير والتبديل، بل عسى أن تذهب به ريح المصادفة كما جاءت به ريح المصادفة ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: ٨٢].

* * * * *

[هل أُخذ القرآن عن مُعلِّم؟]

لا مناص إذًا للباحث عن مصدر القرآن من توسيع دائرة بحثه، فإذ لم يظفر بمطلبه عند صاحب القرآن في ناحية عقله وفراسته، وجب أن يلتمسه - وأن يظفر به حتمًا - في ناحية تعليمِه ودراستِه؛ لأنَّ المتكلم بكلام مَا لا يعدو أن يكون قائلًا له أو ناقلًا، ولا ثالث لهما.

نعم. إنَّ صاحب هذا القرآن لم يكن ممن يرجع بنفسه إلى كتب العلم ودواوينه، لأنه باعتراف الخصوم كما ولد أميًّا نشأ أميًّا وعاش أميًّا، فما كان يومًا من الأيام يتلو كتابًا في قرطاس ولا يخطه بيمينه، فلا بد له من معلم يكون قد أوقفه على هذه المعاني لا بطريق الكتابة والتدوين، بل بطريق الإملاء والتلقين. هذا هو حكم المنطق.

ستقول: فمن هو ذلكَ المعلم؟

نقول: هذا هو الشطر الثَّاني من مسألة القرآن.

وأنت إذا تأمَّلت فيما سقناه لك من البراهين على الشطر الأول وجدتَّ بجانب كل منها برهانًا آخر على هذا الشطر الثاني، وعرفت من هو ذلك المعلم؟ غير أننا نحب أن نزيدك به معرفة؛ حتى تقول معنا فيه: (ما هذا بشرًا، إن هذا إلا ملكٌ كريمٌ، مبلِّغٌ عن رب العالمين).

* * * * *

[[نشأة محمد بين أمة أمية، اشتق لها اسم من الجهل]]

أما أن محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكن له معلم من قومه الأميين فذلك ما لا شبهة فيه لأحد، ولا نحسب أحدًا في حاجة إلى الاستدلال عليه بأكثر من اسم (الأمِّية) الذي يشهد عليهم بأنهم كانوا خرجوا من بطون أمهاتهم لا يعلمون من أمر الدين شيئًا، وكذلك اسم (الجاهلية) الذي كان أخصَّ

<<  <   >  >>