للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يرونه قد احمر وجهه فجأة وأخذته البُرَحاء (١) حتى يتفصد (٢) جبينه عرقًا، وثقل جسمه حتى يكاد يرض فخذه فخذ الجالس إلى جانبه وحتى لو كان راكبًا لبركت به راحلته، وكانوا مع ذلك يسمعون عند وجهه أصواتًا مختلطة تشبه دويَّ النحل، ثم لا يلبث أن تُسرَّى عنه تلك الشدة فإذا هو يتلو قرآنًا جديدًا، وذكرًا محدثًا (٣).

فمن شاء أن يبحث عن مصدر هذا القرآن، فها هنا أقرب مظانه، ففيها فليحصر الباحثون بحوثهم، ولينشد طلاب الحق ضالتهم، وأين تلتمس الأسباب الصحيحة لأثر ما إن لم تلتمس حيث يظهر ذلك الأثر، وحيث يدور وجوده وعدمه؟

[[تحليل ظاهرة الوحي]]

فلننظر الآن في هذه الظاهرة: هل كانت شيئًا متكلفًا مصنوعًا وطريقة تحضيرية يستجمع بها الفكر والروية؟ أم كانت أمرًا لا دخل فيه للاختيار؟ وإذا كانت أمرًا غير اختياري فهل كان لها في داخل النفس منشأ من الأسباب الطبيعية العادية، كباعثة النوم، أو من الأسباب الطبيعية الشاذة، كاختلال القوى العصبية؟ أم كانت انفعالًا بسبب خارجي منفصل عن قوى النفس؟

وإنَّ نظرةً واحدة نلقيها على عناصر هذه الظاهرة لتهدينا إلى أنها لا يمكن أن تكون صناعة وتكلفًا، وبخاصَّة لو تأمَّلت تلك الأصوات المختلطة التي كانت


(١) البرحاء: «الشدَّة والمشقَّةُ، وهو: شدة الكرب من ثقل الوحي»، تهذيب اللغة: (٥/ ٢٠)، لسان العرب: (٢/ ٤١٠). (عمرو)
(٢) «تفصد الشيء: سال»، مقاييس اللغة (٤/ ٥٠٧). (عمرو)
(٣) هذه الأوصاف هي الأوصاف التي كانت تظهر على النبي حين ينزل الوحي عليه، وقد وردت في أحاديث صحيحة، ومنها:
١ - في حديث الإفك عن عائشة: «حتى أنزل الله ﷿ على نبيه ، فأخذه ما كان يأخذه من البُرَحَاء عند الوحي، حتى إنه ليتحدَّر منه مثل الجُمَان من العرق، في اليوم الشَّات، من ثقل القول الذي أنزل عليه»، رواه البخاري: (٤٧٥٠)، ومسلم: (٢٧٧٠).
٢ - وفي حديث زيد: «فأنزل الله على رسوله ، وفخذه على فخذي، فثقلت علي حتى خفت أن ترضَّ فخذِي، ثم سُرِّي عنه»، رواه البخاري: (٤٥٩٢).
٣ - وفي حديث عمر بن الخطاب، يقول: «كان النبي إذا أُنزل عليه الوحي سمع عند وجهه كدويِّ النَّحل»، رواه أحمد: (٢٢٣)، والترمذي: (٣١٧٣). (عمرو)

<<  <   >  >>