للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإشكال حتى نزلت سورة الفتح فبينت لهم الحكم الباهرة والبشارات الصادقة، فإذا الذي ظنوه ضيمًا وإجحافًا في بادئ الرأي كان هو النصر المبين والفتح الأكبر (١)، وأين تدبير البشر من تدبير القدر؛ ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا، هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا، إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا، لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفتح: ٢٤] وما بعدها.

(٤)

[[حالته عند نزول الوحي، ودلالتها على مصدرية القرآن]]

ولقد كان حين ينزل عليه القرآن في أول عهده بالوحي يتلقفه متعجلًا فيحرك به لسانه وشفتيه؛ طلبًا لحفظه، وخشية ضياعه من صدره.


(١) قال ابن إسحاق، قال الزهري: «فما فُتِحَ في الإسلام فتحٌ قبله كان أعظم من فتح الحديبية، إنما كان القتال حيث التقى الناس، فلما كانت الهدنة ووضعت الحرب وأمن الناس بعضهم بعضًا التقوا وتفاوضوا في الحديث، فلم يُكلم أحد بالإسلام يعقل شيئًا في تلك المدة إلا دخل فيه».
وفسر ذلك صاحب الفتح فقال: «إن الناس لأجل الأمن الذي وقع بينهم اختلط بعضهم ببعض من غير نكير، وظهر من كان يخفي إسلامه، وأسمع المسلمون المشركين القرآنَ، وناظروهم جهرة آمنين، وكانوا قبل ذلك لا يتكلمون عندهم بذلك إلا خفية، فذل المشركون من حيث أرادوا العزة، وأقهروا من حيث أرادوا الغلبة» *.
* انظر: السيرة، لابن هشام: (٢/ ٣٢٢)، وفتح الباري، لابن حجر: (٥/ ٣٤٨)، والبداية والنهاية: (٦: ٢٢١).

<<  <   >  >>