للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى آله وسلم فلما غشوه لم يفر ولم ينكص، بل نزل عن بغلته كأنما يمكنهم من نفسه، وجعل يقول: «أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب» (١) كأنما يتحداهم ويدلهم على مكانه، فو الله ما نالوا منه نيلًا، بل أيده الله بجنده، وكف عنه أيديهم بيده، الحديث رواه الشيخان عن البراء بن عازب، ورواه مسلم عن العباس وسلمة بن الأكوع، ورواه أحمد وأصحاب السنن وغيرهم (٢).

وهكذا أمتع الله به أمته فلم يقبضه إليه حتى بلغ الرسالة وأدى الأمانة، وحتى أنزل عليه قوله: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: ٣].

(وإليك مثالًا من النوع الثاني)

[[ما يتصل بمستقبل المؤمنين]]

كان القرآن في مكة يقص على المسلمين من أنباء الرسل ما يثبت فؤادهم، ويعدهم الأمن والنصر الذي كان لمن قبلهم ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ، وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [الصافات: ١٧١]، ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر: ٥١]، فلما هاجروا إلى المدينة فرارًا بدينهم من الفتن ظنوا أنهم قد وجدوا مأمنهم في مهاجرهم، ولكنهم ما لبثوا أن هاجمتهم الحروب المسلحة من كل جانب، فانتقلوا من خوف إلى خوف أشد، وأصبحت كل أمنيتهم أن يجيء يوم يضعون فيه أسلحتهم، وفي هذه


(١) رواه البخاري: (٢٩٣٠)، ومسلم: (١٧٧٦)، ولفظه: عن أبي إسحاق، قال: جاء رجل إلى البراء، فقال: أكنتم وليتم يوم حنين يا أبا عمارة؟ فقال: أشهد على نبي الله ما ولى، ولكنه انطلق أخفاء من الناس، وحسر إلى هذا الحي من هوازن، وهم قوم رماة، فرموهم برشق من نبل كأنها رجل من جراد، فانكشفوا، فأقبل القوم إلى رسول الله ، وأبو سفيان بن الحارث يقود به بغلته، فنزل ودعا واستنصر، وهو يقول: «أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب، اللهم نزل نصرك»، قال البراء: «كنا والله إذا احمر البأس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذي به، يعني النبي ».
(٢) سقط التخريج من طبعة (دار القلم). (عمرو).

<<  <   >  >>