للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالليل، فلما نزلت هذه الآية ترك الحرس وقال: «يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله» (١).

وحقًّا لقد عصمه الله منهم في مواطن كثيرة كان خطر الموت فيها أقرب إليه من شراك نعله، ولم يكن له فيها عاصم إلا الله وحده.

من ذلك ما رواه ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة، ورواه مسلم في صحيحه عن جابر قال: (كنَّا إذا أتينا في سفرنا على شجرة ظليلة تركناها لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلما كنَّا بذات الرقاع نزل نبي الله تحت شجرة وعلق سيفه فيها، فجاء رجل من المشركين فأخذ السيف فاخترطه (٢) وقال للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أتخافني؟ قال: لا. قال: فمن يمنعك مني؟ قال: «الله يمنعني منك، ضع السيف»، فوضعه) (٣).

وحسبك أن تعلم أن هذا الأمن كان في الغزوة التي شرعت فيها صلاة الخوف!

ومن أعظم الوقائع تصديقًا لهذا النبأ الحق ذلك الموقف المدهش الذي وقفه النبي في غزوة حنين، منفردًا بين الأعداء، وقد انكشف المسلمون وولوا مدبرين، فطفق هو يركض ببغلته إلى جهة العدو، والعباس بن عبد المطلب آخذٌ بلجامها يكفها إرادة ألا تسرع، فأقبل المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه


(١) رواه الترمذي: (٣٠٤٦)، ولفظه: عن عائشة، قالت: كان النبي يحرس حتى نزلت هذه الآية: ﴿والله يعصمك من الناس﴾ [المائدة: ٦٧] فأخرج رسول الله رأسه من القبة، فقال لهم: «(يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله)».
(٢) اخترط السيف: استله من غمده.
(٣) رواه البخاري: (٢٩١٠)، ومسلم: (٨٤٣)، ولفظه: عن جابر بن عبد الله، قال: «غزونا مع رسول الله غزوة قبل نجد، فأدركنا رسول الله في واد كثير العضاه، فنزل رسول الله تحت شجرة، فعلق سيفه بغصن من أغصانها قال وتفرَّق الناس في الوادي يستظلون بالشجر قال: فقال رسول الله : (إن رجلًا أتاني وأنا نائم، فأخذ السيف فاستيقظت وهو قائم على رأسي، فلم أشعر إلا والسيف صلتًا في يده، فقال لي: من يمنعك مني؟ قال قلت: الله، ثم قال في الثانية: من يمنعك مني؟ قال قلت: الله، قال: فشام السيف فها هو ذا جالس)، ثم لم يعرض له رسول الله ».

<<  <   >  >>