[المقصد الثالث من مقاصد السورة: في ست ومائة آية (١٧٨ - ٢٨٣)]
[[بسط شرائع الإسلام]]
بعد إرساء الأساس، تكون إقامة البنيان؛ وبعد الاطمئنان على سلامة الخارج، يجيء دور البناء والإنشاء في الداخل ..
نعم، لقد تم (إصلاح العقيدة) التي هي روح الدين وجوهره؛ فليبدأ (تفصيل الشريعة) التي هي مظهر الدين وهيكله .. لقد أزيلت شبهة المعاندين، وأقيمت الحجة عليهم فلم يبق إلا إنارة السبيل للسالكين، وإيضاح المحجة بين يديهم .. كانت العناية من قبل، موجهة إلى بيان (حقائق الإيمان) فلتتوجه الآن، إلى بسط (شرائع الإسلام).
وأنت فقد رأيت كيف مهدت السورة لهذا التحول، إذ وضعت برزخًا يربط أطراف الحديث، ويلتقي فيه سباقها وسياقها .. ولو أنك تلفتَّ الآن التفاتة يسيرة إلى جانبك، لرأيت أدنى هذا البرزخ إليك تلك الآية الجامعة (آية البر) التي انتظمت أصول الدعوة بشطريها: النظري، والعملي؛ ولرأيت أدنى هذين الشطرين إليك، هو هذا الشطر العملي.
فاعلم الآن، أن هذا الشطر العملي، الذي لمحناه من قبل مطويًّا في فهرس موجز، سنراه فيما يلي، مبسوطًا في بيان مفصل.
ففي نيف ومائة آية، سنرى فنًّا جديدًا من المعاني، مهمته رسم نظام العمل للمؤمنين، وتفصيل الواجب والحرام والحلال لهم في شتى مناحي الحياة: في شأن الفرد، وفي شأن الأسرة، وفي شأن الأمة .. بيانًا مؤتنفًا تارة، وجوابًا عن سؤال تارة أخرى، متناولًا في جملته عشرات من شعب الأحكام.
هذه الحكمة العامة في تأخير إقامة البنيان، ريثما أرسيت قواعده، وفي تأجيل الفروع حتى أحكمت أصولها، ستبدو من ورائها حكم جزئية، وأسرار دقيقة، لمن أقبل على هذه الفروع، ينظر إلى تلاصق لبناتها في بنيتها، وتناسق