للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كلَّا، ذلك ما لا نطمع فيه، ولا ندعو المعارضين إليه، وإنما نطلب كلامًا أيًّا كان نمطه ومنهاجه، على النحو الذي يحسنه المتكلم أيًّا كانت فطرته ومزاجه، بحيث إذا قيس مع القرآن بمقياس الفضيلة البيانية حاذاه أو قاربه في ذلك المقياس وإن كان على غير صورته الخاصة، فالأمر الذي ندعوهم إلى التماثل أو المقاربة فيه هو هذا القدر الذي فيه يتنافس البلغاء، وفيه يتماثلون أو يتقاربون، وذلك غير المعارض والصور المعينة التي لا بد من الاختلاف فيها بين متكلم ومتكلم.

فإن عَسُر عليكَ أن تفهم كيف تجيء المماثلة مع هذا الاختلاف ضربنا لك مثلًا: قومًا يستبقون إلى غاية محدودة، وقد اتخذوا لذلك مجالًا واسعًا لا يزاحم بعضهم فيه بعضًا، ولا يضع أحدهم قدمه على موضع قدم صاحبه، بل جعل كل منهم يذهب في طريقه الخاص به موازيًا لقِرنه في المبدأ والوجهة، ثم يكون منهم المجلِّي والمصلِّي (١)، والمقفي والتالي (٢)، ويكون منهم من لا حظَّ له في الرهان، ويكون منهم المتكافئون المتعادلون، وهكذا تراهم وهم مختلفو المنازل يقع بينهم التماثل كما يقع بينهم التفاضل بنسبة ما قطعه كل منهم من طريقه إلى الغاية المشتركة.

فكذلك المتنافسون في حلبة البيان يعمد كل منهم إلى الغرض من الطريق التي يرضاها، وعلى الوجه الذي يستمليه من نفسه، ثم يقع بينهم التماثل أو التفاضل على قدر ما يوفون من حاجة البيان أو ينقصون منها، وإن اختلفت المذاهب التي انتَحَاها كل منهم.

[أحوال من دعاهم القرآن للتحدِّي]

هب - إذًا - المدعوين لمعارضة القرآن فيهم الأكفاء والأنداد لنبي القرآن في الفطرة والسليقة العربية، أو من هم أكمل منه فيها، أو هبهم جميعًا دونه في تلك المنزلة.


(١) «يقال للسابق الأول من الخيل المجلِّي، وللثاني المصلِّي»، لسان العرب: (١٤/ ٤٦٧). (عمرو)
(٢) لعلها: (المسلِّي والتالي)، وهو من أسماء السُّبَّق من الخيل، و «أَسمَاء السُّبَّق من الخَيْل: المُجلِّي، والمُصلِّي، والمُسَلِّي، والتَّالي، والْحَظِي، والمُؤمِّل، والمُرتاح، والعاطِف، واللطِيم، والسِّكِّيت»، تهذيب اللغة (١٥/ ٤٧ - ٤٨). (عمرو)

<<  <   >  >>