للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الحجة الثانية: جديد لغة القرآن]

[جديد لغة القرآن]

لم يخرج القرآن عن لغة العرب، ولا عن سَنَنِها في الكلام، ولكن الجديد في لغة القرآن: أنه في كل شأن يتناوله من شؤون القول يتخير له أشرف المواد، وأمسها رحمًا بالمعنى المراد، وأجمعها للشوارد، وأقبلها للامتزاج، ويضع كل مثقال ذرة في موضعها الذي هو أحق بها وهي أحق به، بحيث لا يجد المعنى في لفظه إلا مرآته الناصعة، وصورته الكاملة، ولا يجد اللفظ في معناه إلا وطنه الأمين، وقراره المكين. لا يومًا أو بعض يوم، بل على أن تذهب العصور وتجيء العصور، فلا المكان يريد بساكنه بدلًا، ولا الساكن يبغي عن منزله حِوَلًا .. وعلى الجملة يجيئك من هذا الأسلوب بما هو المثل الأعلى في صناعة البيان.

بل إن لغة القرآن لتختلف عن لغة مبلغ القرآن، وهو الرسول صلوات الله وسلامه عليه، نحن نرى الأسلوب القرآني فنراه ضربًا وحده، ونرى الأسلوب النبوي، فنراه ضربًا وحده لا يجري مع القرآن في ميدان إلا كما تجري محلقات الطير في جو السماء لا تستطيع إليها صعودًا، ثم نرى أساليب الناس فنراها على اختلافها ضربًا واحدًا لا تعلو عن سطح الأرض، فمنها ما يحبو حبوًا، ومنها ما يشتد عدوًا، ونسبة أقواها إلى القرآن كنسبة هذه (السيارات) الأرضية إلى تلك (السيارات) السماوية!

بل يمكن أن يستريب البليغ العالم في لفظة من الألفاظ النبوية، تشتبه عنده بألفاظ الصحابة والتابعين، لكنه لا يستريب البتة في الأسلوب القرآني، فإن له طابعًا لا يلتبس بغيره.

<<  <   >  >>