للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[سر تسمية القرآن: القرآن، والكتاب]]

روعي في تسميته قرآنًا كونه متلوًّا بالألسن، كما روعي في تسميته كتابًا كونه مدونًا (١) بالأقلام، فكلتا التسميتين من تسمية شيء بالمعنى الواقع عليه.

وفي تسميته بهذين الاسمين إشارةٌ إلى أن من حقه العناية بحفظه في موضعين لا في موضع واحد، أعني: أنه يجب حفظه في الصدور والسطور جميعًا، أن تضل إحداهما فتذكِّر إحداهما الأخرى، فلا ثقة لنا بحفظ حافظ حتى يوافق الرسم المجمع عليه من الأصحاب، المنقول إلينا جيلًا بعد جيل على هيئته التي وضع عليها أول مرة.

ولا ثقة لنا بكتابة كاتبٍ حتى يوافق ما هو عند الحفاظ بالإسناد الصحيح المتواتر.

وبهذه العناية المزدوجة التي بعثها الله في نفوس الأمة المحمدية اقتداءً بنبيها بقي القرآن محفوظًا في حرز حريز، إنجازًا لوعد الله الذي تكفل بحفظه حيث يقول: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩]، ولم يصبه ما


(١) هذا بيانٌ لوجه الصلة فيهما بين المعنى المنقول عنه والمعنى المنقول إليه، وهو مبني على ما اشتهر من استعمال القراءة في خصوص التلاوة، وهي ضم الألفاظ بعضها إلى بعض في النطق، واستعمال الكتابة في خصوص الرسم، وهو ضم بعضها إلى بعض في الخط، فإذا رجعنا إلى أصلهما الأصيل في اللغة وجدنا مادتي (ك ت ب) و (ق ر أ) تدوران على معنى الجمع والضم مطلقًا.
ويُلمِح هذا الأصل الأول بكون كل واحد من اللقبين ملاحظًا فيه وصف الجمع، إما على معنى اسم الفاعل أو اسم المفعول، فيكون معناه (الجامع) أو (المجموع)، وهذا اللقب لا يعني فقط أن هذا المسمى جامع للسور والآيات، أو أنه مجموع تلك السور والآيات، من حيث هي نصوص مؤلفة على صفحات القلوب، أو من حيث هي نقوش مصفوفة في الصحف والألواح، أو من حيث هي أصواتٌ مرتَّلة منظومةٌ على الألسنة، بل يعني شيئًا أدق من ذلك كله، وهو أن هذا الكلام قد جمع فنون المعاني والحقائق، وأنه قد حشدت فيه كتائب الحكم والأحكام، فإذا قلت: الكتاب أو القرآن، كنت كأنما قلت (الكلام الجامع للعلوم) أو (العلوم المجموعة في كتاب).
وهكذا وصفه الله تعالى إذ أخبر بأنه نزله: ﴿تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [سورة النحل: ٨٩] وكذلك وصفه النبي حيث قال: «فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم» *.
* الحديث: أخرجه الدارمي: (٣٣٧٤)، والترمذي: (٢٩٠٦)، وهو ضعيفٌ.
يقول ابن كثير: «وقصارى هذا الحديث أن يكون من كلام أمير المؤمنين عليٍّ ، وقد وهم بعضُهم في رفعه، وهو كلام حسنٌ صحيحٌ»، فضائل القرآن: (٤٦). (عمرو)

<<  <   >  >>