للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فضل الله عليهم؛ وأنهم تباطأوا في تنفيذ أمر نبيهم، وبلغ بهم الجهل بمقام نبوته أن ظنوا في بعض تبليغه عن ربه أنه هازل فيه غير جاد ..

حلقة الاتصال بين القسمين الأول والثاني (٧٤):

وأراد القرآن أن يصل حاضرهم بماضيهم فانظر كيف وضع بينهما حلقة الاتصال في هذه الآية التي ختم بها القسم الأول: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ [البقرة: ٧٤] فقوله: ﴿مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ [البقرة: ٧٤] كلمة حددت مبدأ تاريخ القسوة ولم تحدد نهايته، كأنها بذلك وضعت عليه طابع الاستمرار وتركته يتخطى العصور والأجيال في خيال السامع، حتى يظن أن الحديث قد أشرف به على العصر الحاضر، ثم لم يلبث هذا الظن أن ازداد قوة، بصيغة الجملة الاسمية في قوله: ﴿فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ﴾ [البقرة: ٧٤] دون أن يقول: فكانت كالحجارة.

ثم انظر كيف كان انتهاؤه إلى وصف قلوبهم بهذا الوصف توطئةً لتغيير الأسلوب فيهم، فإن من يبلغ قلبه هذا الحد من القسوة التي لا لين فيها يصبح استمرار الخطاب معه نابيًا عن الحكمة، ويصير جديرًا بصرف الخطاب عنه إلى غيره ممن له قلب سليم، وهكذا سينتقل الكلام من الحديث معهم في شأن سلفهم إلى الحديث معنا في شأنهم أنفسهم.

[٢ - ذكر اليهود المعاصرين للبعثة (٧٥ - ١٢١)]

افتتح الكلام في هذا القسم بجملة طريفة ليست على سنن ما قبلها وما بعدها من السرد الإخباري، جملة استفهامية يكتنفها حرفان عجيبان: (أحدهما) يعيد إلى الذاكرة كل ما مضى من وقائع القسم الأول، (والآخر) يفتح الباب لكل ما يأتي من حوادث هذا القسم، وتقع هي بين التاريخين القديم والحديث موقع العبرة المستنبطة والنتيجة المقرَّرة، بين أسباب مضت وأسباب تأتي: ﴿أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ﴾ [البقرة: ٧٥]؟!

فهذه الفاء تقول لنا: أبعدَ كل ما قصصناه يطمع طامع في إيمان هؤلاء القوم وهم الوارثون لذلك التاريخ الملوث؟ وهذه الواو تقول هذا ﴿وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٣].

<<  <   >  >>