[المقصد الثاني من مقاصد السورة: في ثلاثة وعشرين ومائة آية (٤٠ - ١٦٢)]
[المقصد الثاني] بحسبك أن تعلم أنَّ هذه السورة هي غُرَّة السور المدنية، وأن المدينة كان يسكنها أشد الناس عداوة للذين آمنوا، وأكثرهم جدالًا في دينهم بما أوتوه من العلم قبلهم.
بحسبك أن تعلم هذا وذاك لتعرف سر تلك العناية الموفورة بهذا الجانب من الدعوة، نعني دعوة بني إسرائيل خاصة بعد دعوة الناس عامة، ولتعلم حكمة ذلك التبسط في الحديث معهم تارة، والحديث عنهم تارة أخرى، بألوان تختلف هجومًا، ودفاعًا، واستمالة، واستطالة، إلى ما بعد نصف السورة.
وسترى حين تنتقل في هذه الأحاديث مرحلة مرحلة ما يملك قلبك من جمال نظامها ودقة تقسيمها.
[بداية الحديثِ عن اليهود]
(بدأ) الكلام معهم بآية فذَّة (٤٠) هي على قلة كلماتها جامعة لأغراض الحديث كله: ففيها يناديهم بأحب أسمائهم وأشرف أنسابهم ويذكرهم بسابق نعمة الله عليهم إجمالًا، ويبني على ذلك دعوتهم إلى الوفاء بعهدهم، ويرغبهم ويرهبهم.
(ثم) رجع إلى هذه الأغراض يفصلها على تدرج وبقدر معلوم فشرح العهد الذي طلب منهم الوفاء به، في ست آيات (٤١ - ٤٦)، وبين مقدار النعمة التي امتنَّ بها عليهم في آية (٤٧)، ومقدار المخافة التي خوفهم منها في آية أخرى (٤٨).
(ثم) قسم الحديث إلى أربعة أقسام:
(القسم الأول) يذكر فيه سالفةَ اليهود منذ بعث فيهم موسى ﵇.