فيه أول مرة، أو ليلتجئ فيه إلى كسر أو نحت أو حشو أو دعامة؟ ثم كيف تكون عاقبة أمره أنه في الوقت الذي يضع فيه آخر لبنة على هذا المنهاج يرفع يده عن مدينة منسقة ليس فيها قصر ولا غرفة ولا لبنة ولا جزء صغير ولا كبير إلا وقد نزل منزله الرصين الذي يرتضيه ذوق الفن، حتى لو تبدل واحد منها مكان غيره لاختل البنيان أو ساء النظام؟ أليس ذلك إن وقع يكون تحديًا للقدرة البشرية جمعاء؟
[[تنزيل المثل على القرآن]]
ألا فقد وقع مصداق هذا المثل في مسألتنا، إليك البيان:
(أمَّا) الرجل فهو هذا النبيُّ الأمِّي صلوات الله عليه.
(وأمَّا) المدينة الجامعة التي شرع في بنائها منذ وقعت له لبناتها الأولى فذلك الكتاب العزيز الذي أخذ هو منذ وصلت إليه باكورة رسائله يرتب أجزاءه ترتيب الواثق المطمئن إلى أنه سيكون له منها ديوان تام جامع.
(وأمَّا) القصور، والغرفات، واللبنات، فهي أجزاء هذا الديوان: من السور، والنجوم، والآيات.
(وأمَّا) تلك العوامل الفجائية التي جعلت تستنزل من مختلف معادن الجبال ما ركبت منه هذه القصور المشيدة فتلك هي الأحداث الكونية والاجتماعية، والمشاكل الدينية والدنيوية التي كانت تعترض الناس آنًا بعد آن في شؤونهم العامَّة والخاصَّة، فكان يتقدم بها المؤمن منهم مستفتيًا ومسترشدًا، والمكذب مستشكلًا ومجادلًا، وكان على وفق ذلك يتنزل الكلام نجمًا فنجمًا، بمعان تختلف باختلاف تلك المناسبات والبواعث، وبمقادير تتفاوت قلة وكثرة، وعلى طرق تتنوع لينًا وشدة .. ومن هذه النجوم المختلفة المتفرقة صارت تتألف تلك المجاميع المسماة بالسور، لا على أساس التجانس بين أجزاء كل مجموعة منها، بل على أن يأوي إلى الحظيرة الواحدة ما شئت من فصائل الجنس الواحد والأجناس المتخالفة.
(وأمَّا) الطريق العجب الذي اتبع في تأليف تلك الأبنية من أجزائها - وهو السبب الثالث الذي رفع المسألة من حد العسر إلى حدِّ الإحالة - فهو أن ذلك الذي نزل عليه الذكر لم يتربص بترتيب نجومه حتى كملت نزولًا، بل لم يتريث