للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولَعَمرِي؛ لنحنُ أحقُّ أن نعجب من هذا العجب؛ فإننا نفهم أنه لو ساغ مثله في عصور الجاهلية الأولى ما كان ليسوغ اليوم وقد ملئت الأرض بالآيات العلمية التي تفسر لعقولنا تلك الحقائق الغيبية.

[[أدلة معاصرة على إمكان الوحي]]

وإنَّ من أقرب هذه الآيات إلى متناول الجمهور آية الهاتف (التليفون).

فقد أصبح الرجلان يكون أحدهما في أقصى المشرق والآخر في أقصى المغرب، ثم يتخاطبان ويتراءيان، من حيث لا يرى الجالسون في مجلس التخاطب شيئًا، ولا يسمعون إلا أزيزًا كدوي النحل الذي في صفة الوحي.

فإن كانوا يريدون آية علمية أوضح من هذه تمثل لهم الوحي تمثيلًا، وتريهم من طريق التجارب - التي لا يؤمنون إلا بها - أن اتِّصال النفس الإنسانية بقوة أعلى منها قد يُحدث فيها ظاهرةً من جنس هذه الظاهرة، وينقش فيها معلومات لم تكن مخزونة في العقل ولا في الحس قبل ذلك، فها قد أراهم الله تلك الآية العجيبة في (أعجوبة التنويم المغناطيسي) فقد أصبح الرجل القوي الإرادة يستطيع أن يتسلط بقوة إرادته على من هو أضعف منه حتى يجعله ينام بأمره نومًا عميقًا لا يشعر فيه بوخز الإبر، وهناك يكون رهين إشارته، وتنمحي إرادته في إرادته: فلو شاء أن يمحو من نفسه رأيًا أو عقيدة لمحاها بكلمة واحدة، بل لو شاء أن يمحو من صدره اسم نفسه (١) ويلقنه اسمًا آخر يقنعه بأنه هو اسمه لما وجد منه إلا إيمانًا وتسليمًا، ولأصبح اسمه الحقيقي نسيًا منسيًّا، ولبقي هذا الاسم المصنوع منقوشًا على قلبه ولسانه بعد أن يستيقظ إلى ما شاء الله، فإذا كان فعل هذا الإنسان بالإنسان فما ظنك بمن هو أشد منه قوة؟

فذلك مَثل (٢) حامل الوحي ومتلقيه هذا بشر مطواعٌ ذو روح صاف


(١) حوادث التنويم المغناطيسي وآثارها البدنية والنفسية أكثر من أن تحصى، ولكننا أشرنا بهذا المثال إلى واقعة كان شاهد العيان فيها فاضل من علماء الأزهر (الأستاذ محمد عبد العظيم الزرقاني) وهو الذي فطن منها إلى هذه العبرة الدينية، ونشرها بمجلة الهداية الإسلامية في شهر ربيع الأول من هذا العام (١٣٥٢ هـ).
(٢) تأمل هذا التقريب تجد فيه آية أخرى على بطلان دعوى (الوحي النفسي) التي يروجها الملحدون؛ إذ إنه من الأركان الأساسية التي أجمع عليها علماء التنويم أنه إنما يكون بين نفسين مختلفتي الطبائع؛ إحداهما أقوى إرادة من الأخرى، فلا يستطيع امرؤ أن يقوم بهذه التجربة في نفسه إلا إذا فرضنا اجتماع النقيضين أو أن يكون الواحد اثنين.

<<  <   >  >>