للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(٢)

القرآن في سورةٍ سورةٍ منه

(الكَثرَة) و (الوَحدَة):

[التأصيلُ لعلم الوحدة الموضوعيَّة عند المؤلِّف]

هذا الذي حدَّثناك عنه من عظمة الثروة المعنوية في أسلوب القرآن على وجازة لفظِه، يضاف إليه أمر آخر، هو زينة تلك الثروة وجمالها، ذلك هو تناسق أوضاعها، وائتلاف عناصرها، وأخذ بعضها بحجز بعض، حتى إنها لتنتظم منها وحدة محكَمَة لا انفصام لها.

وأنتَ قد تعرف أنَّ الكلام في الشأن الواحد إذا ساء نظمه انحلَّت وحدة معناه، فتفرق من أجزائها ما كان مجتمعًا، وانفصلَ ما كان متصلًا؛ كما تتبدد الصورة الواحدة على المرآة إذا لم يكن سطحها مستويًا، أليس الكلام هو مرآة المعنى؟ فلا بد إذًا لإبراز تلك الوحدة الطبيعية (المعنوية) من إحكام هذه الوحدة الفنية (البيانيَّة)، وذلك بتمام التقريب بين أجزاء البيان والتأليف بين عناصره؛ حتى تتماسك وتتعانق أشدَّ التماسك والتعانق.

وليس ذلك بالأمر الهين كما قد يظنُّه الجاهل بهذه الصناعة؛ بل هو مطلب كبير (يحتاج) مهارة وحذقًا ولطف حسٍّ في اختيار أحسن المواقع لتلك الأجزاء: أيها أحق أن يجعل أصلًا أو تكميلًا، وأيها أحق أن يبدأ به أو يختم أو يتبوأ مكانًا وسطًا؟ (ثم يحتاج) مثل ذلك في اختيار أحسن الطرق لمزجها بالإسناد، أو بالتعليق، أو بالعطف، أو بغيرها، هذا كله بعد التلطف في اختيار تلك

<<  <   >  >>