للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صافية لنفس صاحبها؛ فتريك باطنه من ظاهره، وتريك الصدق والإخلاص ماثلًا في كل قول من أقواله وكل فعل من أفعاله.

بل كان الناظر إليه إذا قويت فطنته وحسنت فراسته يرى أخلاقه العالية تلوح في محياه ولو لم يتكلم أو يعمل، ومن هنا كان كثير ممن شرح الله صدورهم للإسلام لا يسألونَ رسول الله على ما قالَ برهانًا، فمنهم العشير (١) الذي عرفه بعظمة سيرته؛ ومنهم الغريبُ الذي عرفه بسيماه في وجهه.

قال عبد الله بن سلام : لمَّا قدم رسول الله المدينة انجفل الناس إليه، وقيل: قدم رسول الله ! «فجئت في النَّاس لأنظرَ إليه، فلما استثبت وجه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عرفت أنَّ وجهه ليس بوجه كذَّاب»، رواه الترمذي بسند صحيح (٢).

والآنَ، وقد وفيَّنا لك الوعد بعرض هذه النماذج من السيرة النبوية، نعود إلى تقرير ما قصدناه من هذا العرض فنقول: إن صاحب هذا الخلق العظيم وصاحب تلك المواقف المتواضعة بإزاء القرآن، ما كان ينبغي لأحدٍ أن يمتري في صدقه حينما أعلن عن نفسه أنه ليس هو واضع ذلك الكتاب، وأن منزلته منه منزلة المتعلم المستفيد، بل كانَ يجب أن نسجل من هذا الاعتراف البريء دليلًا آخر على صراحته وتواضعه.

[هل يمكن أن يكون القرآن إيحاءً ذاتيًّا من نفس محمد؟]

على أنَّ الأمر أمامنا أوضح من أن يحتاج إلى سماع هذا الاعتراف القولي منه ، أو يتوقف على دراسة تلك الناحية الخلقية من تاريخه.

أليس يكفي للحكم ببراءة الإنسان من عمل من الأعمال أن يقوم من طبيعته شاهد بعجزه المادي عن إنتاج ذلك العمل؟


(١) أي: المعاشر له، الملازم، العارف بخصائصه وشمائله. (عمرو)
(٢) رواه الترمذي: (٢٤٨٥)، وقال حسن صحيح، ولفظه: عن عبد الله بن سلام، قال: لما قدم رسول الله المدينة انجفل الناس إليه، وقيل: قدم رسول الله ، فجئت في الناس لأنظرَ إليه، فلما استَبنتُ وجهَ رسول الله عرفت أن وجهه ليس بوجه كذَّاب وكان أول شيء تكلم به أن قال: «يا أيها الناس، أفشُوا السلام، وأطعموا الطَّعام، وصلُّوا والناس نيام تدخلون الجنة بسلام».

<<  <   >  >>