للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الأنعام: ١١١]، وآخرين لا يجدون طمأنينتهم إلا في اضطراب الشك، يقولون: ﴿إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ﴾ [الجاثية: ٣٢]، ﴿وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ، لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ﴾ [الحجر: ١٤] وما بعدها، ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [الأنعام: ٧]، فهؤلاء وأولئك لا سبيلَ لنا عليهم، ولا ينفعهم نصحنا إن كان الله يريد أن يغويهم، إذ ليس من شأننا أن نُسمع الصم أو نهدي العمي ولا الذين يجعلون أصابعهم في آذانهم فإذا هم لا يسمعون، أو يضَعون أكفَّهم على أعينهم فإذا الشمس الطالعة ليست بطالعة ﴿وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا﴾ [المائدة: ٤١]، وإنما سبيلنا أن ننصب الحجة لجاهلها من طلاب الحق، ونوضح الطريق لسابلها من رواد اليقين.

[[إعجاز القرآن]]

ها نحن أولاء ندعو كل من يطلب الحق بإنصاف، أن ينظر معنا في القرآن من أي النواحي أحب (١): من ناحيةِ أسلوبه، أو من ناحية علومه، أو من ناحية الأثر الذي أحدثه في العالم وغيَّر به وجه التاريخ، أو من تلك النواحي مجتمعة؛ على أن يكون له الخيرة بعد ذلك أن ينظر إليه في حدود البيئة والعصر الذي ظهر فيه، أو يفترض أنَّه ظهر في أرقى الأوساط والعصور التاريخية. وسواء علينا أيضًا أن ينظر إلى شخصية الداعي الذي جاء به أو يلتمس شخصًا خياليًّا تجمعت فيه مرانات الأدباء، وسلطات الزعماء، ودراسات العلماء بكافة العلوم الإنسانية ثم نسأله: هل يجد فيه إلا قوَّة شاذة تغلب كل مغالب، وتتضاءل دونها قوة كل عالم، وكل زعيم، وكل شاعر وكاتب، ثم تنقضي الأجيال والأحقاب ولا ينقضي ما فيه من عجائب، بل قد تنقضي الدنيا كلها ولما يحط الناس بتأويل كل ما فيه، ﴿يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ﴾ [الأعراف: ٥٣].


(١) إنَّ المصنف هنا يقول بتعدد ألوان الإعجاز، وهو الصحيح من كلام العلماء، والله أعلم، وإنما الذي ينتظم في كل سورة من سور القرآن، هو إعجاز القرآن من جهة لغته وبيانه. (عمرو)

<<  <   >  >>