للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(٣)

هدهد قومه (١)

سافر الشيخ إلى فرنسا عام (١٩٣٦) مع البعثة التي اختيرت للسفر، ومكث هناك أزيد من عشر سنوات وتحصل على درجة الدكتوراة في رسالته الشهيرة: «دستور الأخلاق في القرآن» (٢).

يقول الشيخ أبو زهرة (ت: ١٩٧٤): «ولقد فارقَنا الدكتور محمد عبد الله دراز إلى أوروبا كما فارقَنا غيرُه، وأقامَ في فرنسا ما شاءَ اللهُ أن يُقيم، وكانتْ إقامتُه أكثرَ من إقامةِ غيرِه أمدًا، وكانت أوفرَ إنتاجًا، فقد أقامَ فيها نحوَ اثنتي عشرةَ سنة، نالَ فيها أعلى الدرجاتِ العلميةِ هنالك.

ولقد عادَ بعدَ هذه الرحلةِ الطويلةِ الشاقَّةِ المُجْهِدَة، وتوقَّعنا أن نجدَ تغيُّرًا في مظهرِه أو مَلْبسِه أو عاداتِه، أو تديُّنِه، كما رأيْنا في بعضِ مَنْ ذهبُوا وأقاموا بعضَ إقامتِه، ولكنَّا وَجَدناهُ كما تَرَكَنا خُلُقًا ودينًا وإيمانًا، فأثبتَ بذلك سلامةَ جوهرِه، لأن جيِّدَ المعادنِ تجلوه التجاربُ وتصقلُه الحوادث من غيرِ أن يفنى ويَبلى.

ولقد ازدادَ استمساكًا بدينِه، وتشدُّدًا فيه، فزاد بهاءً ونورًا وجلالًا.

لم تُقطَع صلتي النفسيَّةُ بذلك الأخِ النابِغةِ منذُ تَعَارفنا، وإن غابَ عني أمدًا، التقينا من بعدِ الغياب، وأُنسُ اللقاءِ يقضي على زمانِ الابتعاد، وكأنّه يطويه أو يمحوه».

ويقول ختَنه الدكتور السيد محمد بدوي: «وكنت مع الطلبة العرب في باريس نلتمس في رحاب الأستاذ الجليل ما نحتاج إليه من رعاية في وقت الشدة، وكان هو يجمعنا في منزله في المناسبات الدينية والقومية ليشعرنا بما


(١) إشارة إلى أن الشيخ لم يتأثر بالغرب في باطلهم، ولم يغتر بهم، بل ثبت ثبات المؤمن، كما ثبت هدهد سليمان وتحسر أنه وجد قومًا آتاهم الله ما آتاهم، لكنهم يعبدون الشمس من دون الله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض!
(٢) محمد عبد الله دراز، دراسات وبحوث، بأقلام تلاميذه ومعاصريه: (١٤).

<<  <   >  >>