للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

افتقدناه من جو عائلي بسبب بعدنا عن الأوطان.

وكنَّا نجد عنده كرم الضيافة العربية، ونستمتع بأحاديثه ومناقشاته في شؤون الدين والعلم والسياسة.

وكان لا يضيق بما نثيره من آراء متطرفة أحيانًا، بل يفندها بروح العالم المستنير، وفي سماحة ورحابة صدر، ولا يزال بنا حتى يقنعنا بوجهة نظره المستندة إلى البرهان العلمي والمنطقي» (١).

ولم تكن رحلته في فرنسا بالرحلة المترفة، بل قاسى الشيخ فيها، وتحمل، يقول صهره د. السيد بدوي عن رسالته «دستور الأخلاق في القرآن الكريم»: «وقد استغرقت كتابة هذه الرسالة ما يقرب من ست سنوات.

ويبدو أن العالم الجليل قد شرع فيها في عام (١٩٤١) بعد أن انتهت حملة فرنسا، وعاد إلى باريس بعد سنة أمضاها في (بوردو - بجنوب غرب فرنسا) حين اقتربت الجيوش النازية من العاصمة الفرنسية وأصبح سقوطها وشيكًا، وإذا أضفنا إلى هذه السنوات الست خمس سنوات قبلها أمضاها الأستاذ في التعرف على مناهج العلوم في الغرب وتحضير درجة الليسانس، فإنه يكون قد أمضى ما بين إعداد العدة وتنفيذ مشروعه حوالي أحد عشر عامًا.

ولم تكن هذه بالفترة الطويلة إذا قدرنا ما اكتنفها من سنوات الحرب العصيبة، وما أثارته هذه الحرب من مشكلات مادِّية ونفسية كان الأستاذ يتحمل عبئها، ويحاول إبعادها عن أسرته الكبيرة التي صحبته في غربته.

وأذكر أنه اضطر - أثناء هجوم الحلفاء لتحرير فرنسا - لقضاء أيام طويلة مع أسرته في مخبأٍ تحت الأرض، كان يجمع فيه أوراقه التي يحرص عليها ويشتغل وسط القنابل التي كانت تدوي من حوله، على ضوء شمعة أو مصباح خافت.

وتمت مناقشة الرسالة أمام لجنة مكونة من خمسة من أساتذة السوربون والكوليج دي فرانس في (١٥ - ١٢ - ١٩٤٧)» (٢).


(١) دستور الأخلاق في القرآن: (٧).
(٢) دستور الأخلاق في القرآن: (٨ - ٩).

<<  <   >  >>