للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للشبهة، وفي الوصف أيها أدق تمثيلًا للواقع، وفي موطن اللين أيها أخفُّ على الأسماع وأرفق بالطباع، وفي موطن الشدة أيها أشد اطلاعًا على الأفئدة بتلك النار الموقدة، وعلى الجملة أيها أوفى بحاجات البيان وأبقى بطراوته على الزمان.

والأمر في هذا الاختيار عسير غير يسير؛ لأنَّ مجال الاختيار كثير الشُّعَب، مختلف الألوان في صور المفردات والتراكيب، والناس ليسوا سواء في استعراض هذه الألوان، فضلًا عن الموازنة بينها، فضلًا عن حسن الاختيار فيها، فرب رجلين يهتدي أحدهما إلى ما غَفَل عنه صاحبه، ويغفل كل منهما عما هدي إليه الآخر، ورب وجه واحد يفوتك ها هنا يعدل وجهين تحصلهما هناك، أو بالعكس.

وعن جملة الملاحظات التي يلاحظها القائل في قوله، تتولد صورة خاصَّة مثلها في هذه المركبات المعنوية مثل (المزاج) في تلك المركبات العنصرية المادية، وهذا (المزاج) هو الذي نسميه بالأسلوب أو الطريقة، وعلى حسبه يقع التفاوت في درجات الكلام وفي حظه من الحسن والقبول.

[[الجديد في لغة القرآن]]

فالجديد في لغة القرآن أنَّه في كل شأن يتناوله من شؤون القول يتخير له أشرفُ المواد، وأمسُّها رحمًا بالمعنى المراد، وأجمعُها للشوارد، وأقبلُها للامتزاج، ويضع كل مثقال ذرة في موضعها الذي هو أحق بها وهي أحق به، بحيث لا يجد المعنى في لفظه إلا مرآته الناصعة، وصورته الكاملة، ولا يجد اللفظ في معناه إلا وطنه الأمين، وقراره المكين، لا يومًا أو بعض يوم، بل على أن تذهب العصور وتجيء العصور، فلا المكان يريد بساكنه بدلًا، ولا الساكن يبغي عن منزله حِوَلًا .. وعلى الجملة يجيئك من هذا الأسلوب بما هو المثل الأعلى في صناعة البيان.

هذا مطلبٌ له دليله، وإجمالٌ له تفصيله، وليس من قصدنا أن نعجلك الآن بالبحث في أدلته وتفاصيله، وإنما أردنا أن نزيح عنك هذه الشبهة لتعلم أن ليس كل كلام عربي ككل كلام عربي، وأن هذه الناحية اللغوية جديرة بأن تتفاوت فيها القوى نازلة إلى حد العجز، أو صاعدة إلى حد الإعجاز.

<<  <   >  >>