ولو قلت: إنه يرزق بغير تقتير ولا محاسبة لنفسه عند الإنفاقٍ خوف النَّفاد، أصبت. ولو قلت: إنه يرزق من يشاء من حيث لا ينتظر، ولا يحتسب، أصبت. ولو قلت: إنه يرزقه بغير معاتبة ومناقشة له على عمله، أصبت. ولو قلت: يرزقه رزقًا كثيرًا لا يدخل تحت حصر وحساب، أصبت. فعلى الأوَّل: يكون الكلام تقريرًا لقاعدة الأرزاق في الدنيا، وأن نظامها لا يجري على حسب ما عند المرزوق من استحقاق بعلمه أو عمله، بل تجري وفقًا لمشيئته وحكمته سبحانه في الابتلاء، وفي ذلك ما فيه من التسلية لفقراء المؤمنين، ومن الهضم لنفوس المغرورين من المترفين. وعلى الثاني: يكون تنبيهًا على سعة خزائنه وبسطة يده جل شأنه. وعلى الثالث: يكون تلويحًا للمؤمنين بما سيفتح الله لهم من أبواب النصر والظفر حتى يبدِّل عسرهم يسرًا وفقرهم غنى من حيث لا يظنون. وعلى الرابع والخامس: يكون وعدًا للصالحين إمَّا بدخولهم الجنة بغير حساب، وإمَّا بمضاعفة أجورهم أضعافًا كثيرة لا يحصرها العد. ومن وقف على علم التأويل واطلع على معترك أفهام العلماء في آية رأى من ذلك العجب العاجب.