حباتها في قلادتها، ثم رجع ينظر في وجه التقابل بين ذلك الإجمال السابق، وهذا التفصيل اللاحق ..
فلنأخذ في استعراض الحلقات الرئيسة لهذه السلسلة الجديدة:
لقد ختمت آية البر كما رأيت، بخصلة من خصال البر، ميزت في إعرابها تمييزًا، فكان ذلك تنويهًا بشأنها أي تنويه .. تلك هي خلة الصبر، التي شعبتها الآية المذكورة إلى ثلاث شعب: الصبر في البأساء، والصبر في الضراء، والصبر حين البأس .. فهل تعلم أنه الآن وقد بدأ دور التفصيل، ستكون هذه الخصلة بشعبها الثلاث، أول ما تُعنَى السورة بنشره من تلك الخصال، وأنها ستنشرها نشرًا مرتبًا ترتيبًا تصاعديًّا على عكس ترتيب الطي: الصبر حين البأس، ثم الصبر في الضراء، ثم الصبر في البأساء .. وهل تعلم أن هذا النظام التصاعدي نفسه سيتبع في سائر الخصال: الوفاء بالعهود والعقود.
ثم إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والبذل والتضحية في سبيل الله؟ .. إليك البيان مفصلًا:
* الصبر حين البأس (١٧٨ - ١٨٢):
لا تحسبنه هنا صبرًا على الجروح والقروح في الحرب، فذلك معنى سلبي استسلامي؛ ولا تحسبنه صبرًا في البطش والفتك بالأعداء، فذلك جهد عملي إيجابي حقًّا، ولكن مرده إلى قوة العضل والعصب، لا إلى قوة الخلق والأدب (ليس الشديد بالصرعة، ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب)(١) .. هكذا سيختار الله لنا من مثل الصبر أمثلها، ومن موازينه أوزنها في معايير القيم، ذلك هو ضبط النفس حين البأس، كفًّا لها عن الاندفاع وراء باعثة الانتقام، وردعًا لها عن الإسراف في القتل، ووقوفًا بها عند حد التماثل والتكافؤ العادل (القصاص: ١٧٨ - ١٧٩).
(١) عن أبي هريرة ﵁، أن رسول الله ﷺ قال: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»، رواه البخاري: (٦١١٤)، ومسلم: (٢٦٠٩).