للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مذهبًا متقاربًا، فلا يلبث سمعك أن يمجَّها، وطبعك أن يملها، إذا أعيدت وكررت عليك بتوقيع واحد.

بينما أنت من القرآن أبدًا في لحن متنوع متجدد، تنتقل فيه بين أسباب وأوتاد وفواصل (١) على أوضاع مختلفة، يأخذ منها كل وتر من أوتار قلبك بنصيب سواء، فلا يعرُوك منه على كثرة ترداده ملالة ولا سأم، بل لا تفتأ تطلب منه المزيد.

هذا الجمال التوقيعي في لغة القرآن لا يخفى على أحد ممن يسمع القرآن، حتى الذين لا يعرفون لغة العرب، فكيف يخفى على العرب أنفسهم؟

[[المقارنة بين القرآن والشعر]]

وترى الناس قد يتساءلون: لماذا كانت العرب إذا اختصمت في القرآن قارنت بينه وبين الشعر نفيًا وإثباتًا، ولم تعرض لسائر كلامها من الخطابة وغيرها؟

وأنت، فهل تبينت ها هنا الجواب، وهُدِيت إلى السرِّ الذي فطنت له العرب، ولم يفطن له المستعربون؟

إنَّ أول شيء أحسته تلك الأذن العربية في نظم القرآن هو ذلك النظام الصوتي البديع الذي قسمت فيه الحركة والسكون تقسيمًا منوعًا يجدد نشاط السامع لسماعه، ووزِّعت في تضاعيفه حروف المدِّ والغنَّة توزيعًا بالقسط الذي يساعد على ترجيع الصوت به وتهادي النفس فيه آنًا بعد آن، إلى أن يصل إلى الفاصلة الأخرى فيجد عندها راحته العظمى، وهذا النَّحو من التنظيم الصوتي إن كانت العرب قد عمدت إلى شيء منه في أشعارها فذهبت فيها إلى حد الإسراف في الاستهواء، ثم إلى حد الإملال في التكرير، فإنها ما كانت تعهده قط ولا كان يتهيَّأ لها بتلك السهولة في منثور كلامها سواء منه المرسل والمسجوع؛ بل كان


(١) هل أنت بحاجة إلى معرفة مسميات هذه الألقاب؟ الحرف المتحرك يتلوه حرف ساكن يقال لهما: (سبب خفيف)، والحرفان المتحركان يتلوهما ساكن (وتد مجموع)، والحرفان المتحركان لا يتلوهما ساكن (سبب ثقيل)، والحرفان المتحركان يتوسطهما ساكن (وتد مفروق)، وثلاثة أحرف متحركة يعقبها ساكن (فاصلة صغيرة)، وأربعة أحرف متحركة يعقبها ساكن (فاصلة كبيرة).

<<  <   >  >>