للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

له، وأن الذي وصفوه مما أدركوه أقل مما ضاقت به عباراتهم، ولم تقف به إشاراتهم.

ونحن، وقد أفضت إلينا النوبة من بعدهم، هل تحسب أننا سنسلك سبيلًا غير سبيلهم فنزعم أننا في هذه العجالة سنبرز لك سرَّ الإعجاز جملة؟ كلَّا، ولا استقراء ما كشفه الناس من جوانبه، كلَّا، ولا استقصاء ما نحسه نحن من تلك الجوانب.

وإنما نريد أن نصور لك بعض تلك الخصائص التي تلاقينا من كتاب الله كلما سمعناه أو تلوناه وتدبرناه، لعلك واجد في القليل منها ما لا تجده في الكثير مما يعده الناس، فإن زادك الناس من ذلك أنواعًا رجونا أن نزيدك من النوع الواحد إقناعًا وانتفاعًا.

* * * * *

أول ما يفجؤك:

[دراسةٌ في الأسلوب القرآني] أول ما يلاقيك ويستدعي انتباهك من أسلوب القرآن الكريم خاصية تأليفه الصوتي في شكله وجوهره.

[الجمال الصوتي للقرآن] ١ - دع القارئ المجوِّد يقرأ القرآن يرتله حق ترتيله نازلًا بنفسه على هوى القرآن، وليس نازلًا بالقرآن على هوى نفسه، ثم انتبذ منه مكانًا قصيًّا لا تسمع فيه جرس حروفه، ولكن تسمع حركاتها وسكناتها، ومدَّاتها وغنَّاتها، واتصالاتها وسكتاتها، ثم ألق سمعك إلى هذه المجموعة الصوتية، وقد جردت تجريدًا وأرسلت ساذجة في الهواء، فستجد نفسك منها بإزاء لحن غريب عجيب لا تجده في كلام آخر لو جرِّد هذا التجريد، وجود هذا التجويد.

ستجد اتساقًا وائتلافًا يسترعي من سمعك ما تسترعيه الموسيقى والشعر، على أنه ليس بأنغام الموسيقى ولا بأوزان الشعر، وستجد شيئًا آخر لا تجده في الموسيقى ولا في الشعر.

ذلك أنَّك تسمع القصيدة من الشعر فإذا هي تتحد الأوزان فيها بيتًا بيتًا، وشطرًا شطرًا، وتسمعُ القطعة من الموسيقى فإذا هي تتشابه أهواؤها وتذهب

<<  <   >  >>