للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المستكبرين الذين ألفوا العيش في ظلام الجاهلية، فلم يرفعوا له رأسًا، بل نكسوا على رؤوسهم ولم يفتحوا له عينًا بل خروا عليه صمًّا وعميانًا: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أولئك ينادون من مكان بعيد﴾ [فصلت: ٤٤].

[[المثل المضروب للمنافقين]]

وضرب مثلًا للمترددين المخادعين بقوم جادتهم السماء بغيث منهمر في ليلة ذات رعود وبروق، فأمَّا الغيث فلم يلقوا له بالًا، ولم ينالوا منه نيلًا، فلا شربوا منه قطرة، ولا استنبتوا به ثمرة، ولا سقوا به زرعًا ولا ضرعًا.

وأما تلك التقلبات الجوية من الظلمات والرعد والبرق فكانت هي مثار اهتمامهم، ومناط تفكيرهم؛ ولذلك جعلوا يترصدونها: ويدبرون أمورهم على وفقها، لابسين لكل حال لبوسها: سيرًا تارة، ووقوفًا تارة، واختفاءً تارة أخرى.

ذلك مَثلُ القرآن الذي أنزله الله غيثًا تحيا به القلوب، وتنبت به ثمرات الأخلاق الزكية والأعمال الصالحة؛ ثم ابتلى فيه المؤمنين بالجهاد والصبر وجعل لهم الأيام دولًا بين السِّلم والحرب، وبين الغلب والنصر، فما كان حظ بعض الناس منه إلا أن لبسوا شعاره على جلودهم دون أن يشربوا حبَّه في قلوبهم أو يتذوقوا ما فيه من غذاء الأرواح والعقول، بل أهمتهم أنفسهم وشغلتهم حظوظهم العاجلة؛ فحصروا كل تفكيرهم فيما قد يحيط به من مغانم يمشون إليها، أو مغارم يتقونها، أو مآزق تقفهم منه موقف الروية والانتظار، وهكذا ساروا في التدين به سيرًا متعرجًا متقلبًا مبنيًّا على قاعدة الربح والخسر، والسلامة الدنيوية.

<<  <   >  >>