للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(أما الثالث) فإنه نبه به على معنى هو غاية في اللطف، وهو سرُّ الإمهال، وحكمة عدم التعجيل من الله، ذلك بأنه صور هذا التعجيل المفروض بصورة تشبه التماس الطالب وحرصه الشديد على إرضاء شهوته وسد حاجته الملحة التي تبعثه على استعجاله، ولا سيما إذا كان يطلب الخير لنفسه، كأنَّه قيل: إنه تعالى لو عجَّل لهم ذلك لكان مثله بهذا التعجيل كمثل هؤلاء المستعجلين، في استفزاز البواعث إياه، وحاشا لله.

هذا إلى تصرفات عجيبة أخرى:

[[لطائف بيانية في آية سورة يونس]]

(منها) أن كلمة (لو) بحسب وضعها وطبيعة معناها تتطلب أن يليها فعل ماض، ولكن المطلوب ها هنا ليس هو نفي المضي فحسب، بل بيان أن هذا الفعل خلاف سنة الله التي لن تجد لها تبديلًا، فلو أُدِّي المعنى على هذا الوضع لطال الكلام، ولقيل: (لو كان سنة الله المستمرة في خلقه أن يعجل .. الخ): فانظر كيف اختصر الكلام في لفظٍ واحد بإخراج الفعل في صورة المضارع الدال على التكرُّر والاستمرار، واكتفى بوضع (لو) قرينة على أن ما بعدها ماض في معناه، وهكذا أدى الغرضين جميعًا في رفق ولين.

(ومنها) أنه كان مقتضى التطابق بين الشرط والجواب أن يوضع الجواب عِدْلًا له فيقال: (لعجله)، ولكنه عدل إلى ما هو أفخم وأهول؛ إذ بين أنه لو عجل للناس الشر لعجل لهؤلاء منه نوعًا خاصًّا هم له أهل، وهو العذاب المستأصل الذي تُقضى به آجالهم.

(ومنها) أنه كان مقتضى الظاهر في تقرير النتيجة أن يقال: (فنذرهم) أو (فنذر هؤلاء) ولكنه قال: ﴿فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا﴾ تحصيلًا لغرضين مهمين: أحدهما التنبيه على أن منشأ هذا الاستعجال منهم هو عدم إيمانهم بالبعث، والثاني: التنبيه على أن قاعدة الإمهال من الله قاعدة عامة لهم ولأمثالهم.

(ومنها غير ذلك … ).

قل لنا بربك: لو ظفرتَ في كلام البشر بواحدة من هذه التصرفات، ففي

<<  <   >  >>