يقول الله تعالى: نبئوني عن حالكم إن جاءكم العذاب بغتة في ليل أو نهار ماذا أنتم يومئذ صانعون؟ إنكم هنالك بين أمرين: فإما الإصرار على ما أنتم عليه الآن من تكذيب واستعجال؛ وإما الإيمان.
فأيهما تختارون؟ (أتستعجلون) بالعذاب يومئذ كما تستعجلون به اليوم؟ كلَّا، فإنكم مجرمون، وكيف يتشوق المجرم لرؤية العذاب الذي إن جاء فهو لا محالة مُواقعه؟ ثم نبئوني أي نوع منه تستعجلون؟ فإنه ليس نوعًا واحدًا بل هو ألوان وفنون، (أم) أنتم اليوم تكذبون ثم إذا وقع بعد حين آمنتم به؟ ألا إنه لن ينفعكم يومئذ إيمانكم بعد أن ماطلتم وسوَّفتم حتى ضيعتم الفرصة وفاتكم وقت التدارك، بل هنالك يقال لكم تنديمًا وتحسيرًا: آلآن تؤمنون وقد كنتم به تكذبون وتستعجلون!!
هذا هو المعنى في ثوبه الطبيعي.
فانظر كم من كلمة وكم من جملة طويت في صدر الكلام وفي شِقَّيه؟ وكيف أنها حين طويت لم يُترك شيء منها إلا وقد جعل في اللفظ مصباح يكشف عنه ومفتاح يوصل إليه؟ فوضع استفهامين متقابلين في الكلام دل على أن هنالك استفهامًا جامعًا لهما مرددًا بينهما، يقال فيه:
ماذا تصنعون، وأي الطريقين تسلكون؟
والاستفهام عن الصنف المستعجل به من العذاب دل على استفهام تمهيدي قبله عن حصول أصل الاستعجال، وكلمة (المجرمون) دلت على استحالة هذا الشق من الترديد، وكلمة (ثم) العاطفة دلت على المعطوف عليه المطوي بينها وبين الهمزة، ولفظ الظرف (الآن) دل على عامله المقدر، وقس على ذلك سائر