للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أصاب الكتب الماضية من التحريف والتبديل وانقطاع السَّند، حيث لم يتكفل الله بحفظها، بل وكلها إلى حفظ الناس فقال تعالى: ﴿وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ﴾ [المائدة: ٤٤]، أي بما طلب إليهم حفظه.

[سرُّ الفرق بين القرآن والكتب السماوية في الحفظ]

والسر في هذه التفرقة أنَّ سائر الكتب السماوية جيء بها على التوقيت لا التأبيد، وأنَّ هذا القرآن جيء به مصدقًا لما بين يديه من الكتب ومهيمنًا عليها، فكان جامعًا لما فيها من الحقائق الثابتة، زائدًا عليها بما شاء الله زيادته، وكان سادًّا مسدها، ولم يكن شيء منها ليسد مسده، فقضى الله أن يبقى حجة إلى قيام الساعة، وإذا قضى الله أمرًا يسر له أسبابه، وهو الحكيم العليم.

[[تعريف القرآن بالحدود المنطقية]]

ولما كان القرآن بهذا المعنى الأسمى جزئيًّا حقيقيًّا (١) كان من المتعذر تحديده بالتعاريف المنطقية ذات الأجناس والفصول والخواص (٢).

وذلك شأنُ كلِّ الجزئيات الحقيقية لا يمكن تحديدها بهذا الوجه؛ لأنَّ أجزاء التعاريف المنطقية كليات، والكليُّ لا يطابق الجزئي مفهومًا (٣)؛ لأنَّه يقبل الانطباق على كل ما يفرض مماثلًا له في ذلك الوصف ذهنًا وإن لم يوجد في الواقع فلا يكون مميزًا له عن جميع ما عداه، فلا يكون حدًّا صحيحًا.


(١) الجزئي الحقيقي، هو: «المفهوم الذي يمتنع صدقه على أكثر من واحد». (عمرو)
(٢) مصطلحات منطقية، تندرج تحت ما يسميه المناطقة: «الكليات الخمس»، وهي: (الجنس - النوع - الفصل - الخاصة - العرض العام)، والجنس، هو: «الكلي الذي يشتمل على كل الماهية المشتركة بين متعدد، مختلف في الحقيقة»، مثاله: حيوان، فهو: كلي يتناول الإنسان والفرس والغزال، وغيرها، وهي أفراد مختلفة في حقيقتها، لكنها مشتركة في جزء من الماهية، وهي الحيوانية، ولذلك يقال على كل منها (حيوان).
والفصلُ: «كلي يتناول من الماهية الجزء الذي يميز النوع عن سائر الأنواع المشاركة له في الجنس»، مثاله: ناطق، فهو كلي يتناول جزء ماهية الإنسان، وهذا الجزء يميز النوع الإنساني عن سائر الأنواع.
والخاصَّة: «مفهوم كلي هو من صفات الشيء الخارجة عن ماهيته، والخاصة بها»، كالضحك، فهو خاص بالإنسان لا يشاركه غيره فيه - هكذا يقول المناطقة -.
انظر: ضوابط المعرفة، لحبنكة: (٣٩ - ٤١)، ومنطق المظفر: (١٠٦ - ١١٤). (عمرو)
(٣) سقطت هذه الجملة من طبعتي (دار القلم)، و (طيبة)، وإنما نبهت على هذا السقط دون غيره، لأهميته.

<<  <   >  >>