للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقبل انطباع العلوم فيه، وذاك ملك شديد القوى ذو مرَّة، يحمل إليه رسالته ويُقرِؤُها إياه، فلا ينسى إلا ما شاء الله.

بَيْدَ أن بُعدًا شاسعًا بين هذا الوحي النبوي، ووحي الناس بعضه لبعض، فالناس كما عرفت قد يوحون زخرف القول غرورًا، وكثيرًا ما يترك وحيهم في نفس متلقيه أعراضًا عقلية أو بدنية يصعب علاجها.

فأين هذا من الوحي بين رسولين مؤيدين اصطفاهما الله لرسالته: رسول من الملائكة، ورسولٌ من الناس؟ فأما الرسول الملكي فإنه كما علمت لا يوحي إلا الحق، ولا يأمر إلا بالخير، وأما الرسول البشري فإنه لا يزال من بعد كما كان من قبل، ثابتَ الفؤاد كاملَ العقل قويَّ النفس والبدن ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام: ١٢٤].

* * * * *

[[خلاصة البحث في الحجج الخارجية الدالة على مصدرية القرآن]]

وبعد فإنَّنا في هذا المنهج الذي سلكناه من أول البحث إلى هذا الحد لم نرد أن نعرض للقرآن في جوهره، بل كان قصارى ما صنعناه أننا درسنا الطريق التي جاء منها؛ فما وجدنا في اعترافات صاحبه، ولا في حياته الخلقية، ولا في وسائله وصلاته العلمية، ولا في سائر الظُّروف العامة أو الخاصة التي ظهر فيها القرآن إلا شواهد ناطقة بأن هذا القرآن ليس له على ظهر الأرض أب ننسبه إليه من دون الله.

وتلك كلها دراسات خارجية إنما يسلكها رجل وقف معنا على طرف صالح من هذه الحياة النبوية وملابساتها، وكان مع ذلك سليم الفطرة يتعرف الأشياء بمثالها ويهتدي إليها بأقرب أماراتها. فمثل هذا سيرضى منا بهذا القدر ويهتدي به.

وأما الذين لا يعلمون عن تلك الحياة النبوية إلا قليلًا - وكثير ما هم - والذين يريدون أن يأخذوا حجة القرآن لنفسه من نفسه، فهؤلاء لا غنى لهم أن

<<  <   >  >>