ثم هو بعد ذلك الهدى المبين الذي يخرج الناس من الظلمات إلى النور: ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى﴾ [البقرة: ٢].
هكذا كان موقع هذه الجمل الثلاث بعد تلك الأحرف الثلاثة موقع التنويه بالمقصود بعد التنبيه إليه.
وكذلك المربي الصالح (يبدأ) خطابه الجليل الشأن باستنصات الناس واسترعاء أسماعهم (ويثنِّي) باتخاذ الوسائل المشوقة التي تثير فيهم بواعث الإقبال على طلب الاستفادة.
[[أثر القرآن]]
(٣) أولُ ما تتشوف إليه النفس بعد سماع هذا الوصف البليغ للقرآن وهدايته هو تعرف الأثر الذي سيحدثه في الناس ومقدار إجابتهم لدعوته، فمسَّت الحاجة إلى أن ينساق الحديث لبيان هذه الحقيقة العجيبة، وهي انقسام الناس في شأنه إلى فئات ثلاث: فئة تؤمن به، وأخرى كافرة، وثالثة مترددة حائرة، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
فكيف ترى ينتقل من الحديث عن الكتاب إلى الحديث عن الناس؟ أيجعل الحديث عنهم حديثًا مؤتنفًا ائتنافًا بحتًا؟ .. أم يسوقه مساق الاستدراك على ما قبله؟ ..
شيء من ذلك لم يكن، ولكن انظر إليه وقد مزج الحديثين مزجًا عجيبًا يدع أدقَّ الناس فطنة لتصريف وجوه القول لا يفطن لما حدث بينهما من الانتقال، ذلك أنَّه في أول الأمر لم يعرض لذكر الطائفتين الأخيرتين، بل أعرض عنهما، كأن القرآن لم ينزل من أجلهما، ثم عمد إلى الطائفة الأولى فجعل الحديث عنها من تمام الحديث عن هداية القرآن نفسه قائلًا: إنه ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة: ٢ - ٣] فكانت هذه (اللام الجارة) هي المعبرة السرِّية التي انزلق عليها الكلام وانصب انصبابًا واحدًا إلى نهاية الحديث عن المؤمنين.
[[أصناف الناس]]
(٤) ولقد كان قصر الانتفاع بهداية القرآن على هذه الطائفة وحدها بعد وصف القرآن بأنه الحق الواضح الذي لا ريبة فيه - حَرِيًّا في بادئ الرأي أن يعد