كلها والبأس كله: لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد ﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ﴾ [البقرة: ١٦٥].
هذا من جانب المقصد الذي وقع الفراغ منه.
وأما من جانب المقصد الذي أقبلنا عليه فإن هذه الخطوة كانت أساسًا وتقدمة لا بد منها قبل الشروع في تفصيل الأحكام العملية، لتكون توجيهًا للأنظار إلى الناحية التي ينبغي أن يتلقى منها الخطاب في شأن تلك الأحكام. ذلك أن المرء إذا عرف له سيدًا واحدًا وأسلم وجهه إليه وجب ألا يصدر إلا عن أمره ولا يأخذ التشريع إلا من يده. ومن كانت له أرباب متفرقون، وتنازعت فيه شركاء متشاكسون تقاضاه كل واحد منهم نصيبه من طاعته، وكثرت عليه مصادر الأمر المطاع. فأمر للآباء والعشيرة، وأمر للعرف والعوائد الموروثة والمستحدثة، وأمر للسادة والكبراء، وأمر للشياطين والأهواء .. ولذلك عززها بالخطوة الثانية.
(الخطوة الثانية) تقرير وحدة الآمر المطاع:
[[تقرير وحدة الآمر المطاع]]
وهي ركن عقيدة التوحيد في الإسلام، فكما أن من أصل التوحيد ألا تتخذ في عبادتك إلهًا من دون الرحمن الذي بيده الخلق والرزق والضر والنفع، كذلك من أصل التوحيد ألا تجعل لغيره حكمًا في سائر تصرفاتك، بل تعتقد أن لا حكم إلا له، وأن بيده وحده الأمر والنهي والحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله، ومن استحل حرامه أو حرم حلاله فقد كفر. وكما أنه لا يليق أن يكون هو الخالق ويعبد غيره، والرازق ويشكر غيره، لا يليق أن يكون هو الحاكم ويطاع غيره.