بتأليف سورة واحدة منه حتى تمت فصولًا، بل كان كلما ألقيت إليه آية أو آيات أمر بوضعها من فوره في مكان مرتب من سورة معينة. على حين أن هذه الآيات والسور لم تتخذ في ورودها التنزيلي سبيلها الذي اتبعته في وضعها الترتيبي؛ فكم من سورة نزلت جميعًا أو أشتاتًا في الفترات بين النجوم من سورة أخرى، وكم من آية في السورة الواحدة تقدمت فيها نزولًا وتأخرت ترتيبًا، وكم من آية على عكس ذلك.
نعم، لقد كان للنجوم القرآنية في تنزيلها وترتيبها ظاهرتان مختلفتان، وسبيلان قلَّما يلتقيان، ولقد خلص لنا من بين اختلافهما أكبر العبر في أمر هذا النظم القرآني.
فلو أنك نظرت إلى هذه النجوم عند تنزيلها، ونظرت إلى ما مهد لها من أسبابها، فرأيت كل نجم رهينًا بنزول حاجة ملمة، أو حدوث سبب عام أو خاص، إذًا لرأيت في كل واحد منها ذكرًا مُحدثًا لوقته، وقولًا مرتجلًا عند باعثته، لم يتقدم للنفس شعور به قبل حدوث سببه. ولرأيت فيه كذلك كلًّا قائمًا بنفسه لا يترسم نظامًا معينًا يجمعه وغيره في نسق واحد.
ولو أنك نظرت إليها في الوقت نفسه فرأيتها وقد أُعدَّ لكل نجم منها ساعة نزوله سياج خاص يأوي إليه سابقًا أو لاحقًا؛ وحدد له مكان معين في داخل ذلك السياج متقدمًا أو متأخرًا (١) إذًا لرأيتَ من خلال هذا التوزيع الفوري المحدود أن هنالك خطة تفصيلية شاملة قد رسمت فيها مواقع النجوم كلها من قبل نزولها، بل من قبل أن تخلق أسبابها، بل من قبل أن تبدأ الأطوار الممهدة لحدوث أسبابها، وأن هذه الخطة التي رسمت على أدق الحدود والتفاصيل قد أبرمت بآكد العزم والتصميم: فما من نجم وضع في سورة ما ثم جاوزها إلى غيرها، وما من
(١) فترى هذا النجم مثلًا يؤمر به عند نزوله أن يوضع في ختام سورة كذا، والنجم الذي بعده يؤمر به أن يجعل في أثناء تلك السورة نفسها على رأس عدد محدود من آيها، وهذا يُجعل صدرًا لسورة تأتي بعد حين، والذي يليه يأخذ جانبًا من سورة مضت منذ حين .. وهلم جرا.