للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فجاء قتادة فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «يا قتادة، عمدت إلى أهل بيت ذُكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة على غير ثبت وبينة!» فرجع قتادة إلى عمه فأخبره، فقال عمه: الله المستعان. ثم لم تلبث أن نزلت الآية تبين للنبي خيانة بني أُبيرق، وتأمره بالاستغفار مما قال لقتادة. الحديث رواه الترمذي (١)، وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم (٢).

بل اسمع قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن نفسه فيما يرويه أحمد وابن ماجه: «إنما أنا بشر مثلكم، وإن الظن يخطئ ويصيب، ولكن ما قلت لكم: قال الله، فلن أكذب على الله» (٣)، وقوله: «إنَّما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، فلعلَّ بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأحسب أنه صادق فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيتُ له بحقِّ مسلم فإنما هي قطعة من النَّار، فليأخذها أو ليتركها)، رواه مالك والشيخان وأصحاب السنن (٤).

فمن كان هكذا عاجزًا بنفسه عن إدراك حقيقة ما وقع بين خصمين في زمنه وفي بلده، وقد رأى أشخاصهما وسمع أقوالهما، هو بلا شكٍّ أشد عجزًا عن إدراك ما فات، وما هو آت.

تلك هي شقة الغيب تنطفئ عندها مصابيح الفراسة والذكاء، فلا يدنو العقل منها إلا وهو حاطب ليل وخابط عشواء: إن أصابَ الحق مرة أخطأه مرات، وإن


(١) رواه الترمذي، عن قتادة بن النعمان: (٣٠٣٦).
(٢) المستدرك: (٤/ ٤٢٦).
(٣) رواه أحمد: (١٣٩٥)، ومسلم: (٢٣٦١)، ولفظه: عن موسى بن طلحة، عن أبيه، قال: مررت مع رسول الله بقوم على رءوس النخل، فقال: «ما يصنع هؤلاء؟» فقالوا: يلقِّحونه، يجعلون الذكر في الأنثى فيلقح، فقال رسول الله : «ما أظن يغني ذلك شيئًا» قال فأخبروا بذلك فتركوه، فأخبر رسول الله بذلك فقال: «إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظنًّا، فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئًا، فخذوا به، فإني لن أكذب على الله ﷿».
(٤) رواه البخاري: (٧١٨١)، ومسلم: (١٧١٣)، ولفظه: عن أم سلمة، زوج النبي ، أن رسول الله سمع جلبة خصم بباب حجرته، فخرج إليهم، فقال: «إنما أنا بشر، وإنَّه يأتيني الخصم، فلعلَّ بعضهم أن يكون أبلغ من بعض، فأحسبُ أنَّه صادق، فأقضي له، فمن قضيتُ له بحق مسلم، فإنَّما هي قطعة من النار، فليحملها أو يذرها».

<<  <   >  >>