للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعبقريته) وإلا فأين هذا الذكيُّ أو العبقريُّ الذي أعطاه الدهر عهدًا بأن يكون عاصمًا لظنونه كلها من الخطأ في كشف وقائع الماضي مهما قدم، وأنباء المستقبل مهما بعد؟

إن الأنبياء أنفسهم - وهم في الطبقةِ العليَا من الذكاء والفطنة بشهادة الكافة - لم يظفرُوا من الدهر بهذا العهد في أقرب الحوادث إليهم، فقد كانوا فيما عدا تبليغ الوحي إذا اجتهدوا رأيهم فيما غاب عن مجلسهم أصابت فراستهم حينًا وأخطأت حينًا.

هذا يعقوب نراه يتَّهم بنيه حين جاءوا على قميصه بدم كذب، ثم يعود فيتهمهم حين قالوا له: إن ابنك سرق، فيقول لهم في كل مرة: ﴿بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ [يوسف: ١٨، ٨٣]، وقد أصاب في الأولى، ولكنه في الثانية اتهمهم وهم برآء.

وهذا موسى نراه يقول للعبد الصالح ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا﴾ [الكهف: ٦٩]، ثم ينسى فلا يطيق معه صبرًا ولا يطيع له أمرًا.

وهذا محمد كان ربَّما هم الناس أن يضللوه في الأحكام، فيدافع عن المجرم ظنًّا أنه برئ، حتى ينبئه العليم الخبير.

فإن كنت في شكٍّ من ذلك فاقرأ قوله تعالى: ﴿وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا، وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: ١٠٥ - ١١٣].

وقد صحَّ في سبب نزولها أنَّ لصًّا عدا ذات ليلة على مشربة لرجل من الأنصَار يقال له رفاعة، فنقب مشربته، وسرق ما فيها من طعام وسلاح، فلما أصبح الأنصاري افتقد متاعه حتى أيقن أنه في بيت بني أبيرق، وكان فيهم منافقون، فبعث ابن أخيه إلى النبي يشكو إليه، فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (سأنظرُ في ذلك)، فلما سمع بذلك بنو أُبيرق جاءوا إلى النبي فقالوا: يا رسول الله، إنَّ قتادةَ بن النعمان وعمه رفاعة عمدا إلى أهل بيت منَّا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت.

<<  <   >  >>