للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويعد الباقلاني (ت: ٤٠٣) - المنظر الثاني للمذهب - أبرز مَنْ اهتم بهذه القضية من الأشاعرة؛ حيث أولاها عناية خاصة، وركز عليها، علمًا منه بأن دين الإسلام قائم في أساسه على القرآن الكريم، وأن أية محاولة للتشكيك في صحة هذا الكتاب والطعن فيه ليست إلَّا سلمًا للقضاء على الدين، وهدم ثوابته الرئيسية.

وقد خصها بكتابين مفردين، «إعجاز القرآن»، لإثبات أن القرآن كلام الله، موحًى به من عنده، وأنه حجة من أعظم الحجج، فيه الحكمة، وفصل الخطاب، مجلوة عليك في منظر بهيج، ونظم أنيق، ومعرض رشيق، غير معتاص على الأسماع، ولا متلو على الأفهام، ممتلئ ماء ونضارة، ولطفًا وغضارة، يسري في القلب كما يسري السرور، ويمر إلى مواقعه كما يمر السهم، ويضيء كما يضيء الفجر، ويزخر كما يزخر البحر، وكتابه هذا من الكتب الرائدة في باب إعجاز القرآن، وحظي بإعجاب الكثيرين، ودارت حوله دراسات عدة، ووُصِف بأنه باب في الإعجاز على حدة.

أما الكتاب الثاني، فقد أفرده لإثبات صحة نقل القرآن وقطعية ثبوته، وعنوانه يدل على مضمونه لأول وهلة؛ حيث أسماه «الانتصار لنقل القرآن» وعقد فيه فصولًا مطولة لإثبات صحة المصحف العثماني، والرد على شُبَه الرافضة التي أثاروها حوله، واتهاماتهم للصحابة بالنقص والزيادة فيه، كما تعرض لما دار من خلاف حول الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، والقراءات التي قُرئ بها، وغير ذلك من الموضوعات المختلفة المتعلقة بنقل القرآن، وكيفية جمعه، وطريقة أدائه، منتهيًا إلى أن «جميع القرآن الذي أنزله الله تعالى، وأمر بإثباته، ولم ينسخه، ولا رفع تلاوته، هو هذا الذي بين اللوحين، الذي حواه مصحف عثمان ، ولم ينقص منه شيء، ولا زيد فيه شيء، نقله الخلف عن السلف» (١)، وقد نقل عنه ابن تيمية (ت: ٧٢٨)، والزركشي (ت: ٧٩٤)، والسيوطي (ت: ٩١١)، وغيرهم.


(١) نكت الانتصار للقرآن: (٦٥، ١٢٠، ٢٣٩، ٣١٥).

<<  <   >  >>