للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يُغيَّر، ولم يُبدَّل، ولا زال عما كان عليه» (١).

وأقوال المعتزلة الخلَّص أكثر تفصيلًا، وأوضح دلالة، فالجاحظ يدلي بدلوه في هذه المسألة، ويقطع بصحة النص الذي اجتمع عليه المسلمون سلفًا وخلفًا، والمتمثل في مصحف عثمان ؛ حيث اتفق على صحته أول الأمة وآخرها، وما كان هذا حاله فهو ظاهر الصواب، واضح البرهان (٢).

ويؤكد الحاكم الجشمي (ت: ٤٩٤) أن سلامة النص القرآني من النقص أو الزيادة أظهر من أن يُتصور الخلاف فيها، وقد صدَّر كتابه «التهذيب في التفسير» بخطبة منبئة عن مذهبه، فالله «أنزل القرآن، وصانه عن التحريف والزيادة والنقصان، ونسخ به سائر الأديان» (٣).

وحذا الزمخشري (ت: ٥٣٨) حذو سابقيه؛ فعقد مقارنة بين حفظ الله للقرآن، وبين الكتب السماوية السابقة، التي لحقها أنواع من التغيير والتبديل، وأرجع السبب في ذلك إلى تكفل الله بحفظ القرآن، فكان «حافظه في كل وقت، من كل زيادة ونقصان، وتحريف وتبديل، بخلاف الكتب المتقدمة، فإنه لم يتولَّ حفظها، وإنما استحفظها الربانيين والأحبار، فاختلفوا فيما بينهم بغيًا، فكان التحريف» (٤).

ومن جملة اعتقاد المكلف في القرآن عند القاضي عبد الجبار (ت: ٤١٥) أنَّه محروس عن المطاعن لا زيادة فيه ولا نقصان، وهو يحكم بالكفر - في أسلوب جازم، وعبارة قاطعة - على مَنْ ينكر شيئًا منه، سواء أكان سورة أم آية، وينسب حكم التكفير إلى المسلمين جميعًا، «فالأمة مكفِّرة لمن يجحد السورة منه والآية، كما يُكفِّرون مَنْ يجحد تحريم الخمر، والزنا، ووجوب الصلوات الخمس، وصوم شهر رمضان؛ لأنهم يعلمون ذلك بالنقل على سبيل الاضطرار كما يعلمون غيره» (٥).


(١) مقالات الإسلاميين: (١/ ١٢٠).
(٢) رسائل الجاحظ: (١٢٢).
(٣) التهذيب، الورقة الأولى، عن الحاكم الجشمي، عدنان زرزور: (٦٥)، وقد حُقِّق الكتاب ونُشر.
(٤) الكشاف: (٢/ ٥٧٢).
(٥) شرح الأصول الخمسة: (٦٠١ - ٦٠٧).

<<  <   >  >>