للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القرآن، ومكانته في الاستدلال، والمطالِع لرسائل العدل والتوحيد يلحظ بوضوح تيارًا يتميز بكثرة الاستشهاد بالنص القرآني سواء من ناحية كم الآيات وعددها، أو من ناحية كيفية الاستدلال بها.

ونصل إلى القاضي عبد الجبار (ت: ٤١٥) الذي انتهى إليه التراث الاعتزالي عبر مراحله المختلفة فأصَّلَهُ، وأقام منه بناء يتسم بالتناسق الفلسفي، وبلور أصول المذهب، واستفاض في شرحها، والدفاع عنها، وموقفه من حجية القرآن كموقف سائر أصحابه، وإن تميز بنوع من البسط والتفصيل أعانه عليه عصره المتأخر - نسبيًّا- واطلاعه على تراث متقدمي أصحابه، ثم شعوره بكثرة ما وُجِّه إلى الفكر الاعتزالي من تهم تصفه بقلة الاهتمام بالنصوص، وعدم إنزالها منزلة الصدارة في الاستدلال، ومن ثم جاءت كتاباته لنفي هذه التهمة وما شابهها.

وينص القاضي (ت: ٤١٥) في أكثر من موضع على أهمية الاستدلال بالقرآن في مسائل العقيدة وسائر العلوم، مبينًا أن «أهل كل علم يلتجئون إليه في أصول علمهم، ويبنون عليه كتبهم، فإن المتكلمين إنما بنوا الكلام في التوحيد على ما ذكره تعالى في كتابه» (١).

ويتفق المعتزلة مع سائر الأمة في القول بقطعية ثبوت النص القرآني جملةً وتفصيلًا، ووصوله إلينا كما أُنزل على الرسول ، سالمًا من أي تحريف بالزيادة أو النقصان، ومن إنصاف أبي الحسن الأشعري (ت: ٣٢٤) وأمانته العلمية: أنَّه لم يبخس المعتزلة حقهم في هذه المسألة، ولم يحمله ما بينه وبينهم من خصومة ونزاع على أن ينسب إليهم ما لم يقولوه، لا سيما وأن الموضوع يمس جانبًا خطيرًا من جوانب العقيدة، فعندما عرض لحكاية مذهب الرافضة في القرآن، وذكر أن بعضهم زعم وقوع النقص أو الزيادة فيه، عقَّب على إثر ذلك بإيضاح مذهب من تأثر بالمعتزلة من الرافضة، وأنهم يخالفونهم، ويعتقدون أن القرآن «ما نُقص منه، ولا زيد فيه، وأنه على ما أنزل الله تعالى على نبيه لم


(١) المغني، للقاضي: (١٦/ ٣٢٩ - ٣٣٠).

<<  <   >  >>