للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«أنه كان إذا جنه الليل صف قدميه يصلي، ولوح ودواة موضوعان بجانبه، فإذا مرت آية فيها حجة على مخالف جلس فكتبها، ثم عاد في صلاته» (١).

وقد صنَّف المعتزلة في تفسير القرآن، وكتبوا في إعجازه.

وقد سخر الجاحظ (ت: ٢٥٥) قلمه السيال وبيانه الرفيع في نصرة مذهب المعتزلة، والرد على مخالفيه، ومن ذلك احتجاجه للقرآن ودفاعه عنه، وقد بلغت جهوده في هذا الصدد درجة دعت الخياط إلى المبالغة في الثناء عليه ومدحه، جازمًا بأنه ليس في المتكلمين أحد نَصَرَ الرسالة واحتجَّ للنبوة مثلما فعل الجاحظ، ولا يُعرف كتاب في الاحتجاج لنَظْمِ القرآن وعجيب تأليفه غير كتابه الموسوم ب «نظم القرآن»، وقد ذُكر أنه أجهد فيه نفسه، وبلغ أقصى ما يمكن لمثله في الاحتجاج للقرآن والرد على كل طعان (٢).

وتتميز أقوال الجاحظ (ت: ٢٥٥) بخصيصة ينفرد بها عن سائر أصحابه المتكلمين، تتجلى في فصاحته الواضحة، وبلاغته العالية، ولغته الجزلة، التي ترطب كثيرًا من جفاف الأسلوب الكلامي وعباراته المغلقة.

ففي حديثه عن القرآن وحجيته، وعظيم منزلته ومكانته، يصفه بأنه «حجة على الملحد، وتبيان للموحد، وقائم بالحلال المنزل، والحرام المفصل، وفاصل بين الحق والباطل، وحاكم يرجع إليه العالم والجاهل، وإمام تُقام به الفروض والنوافل، وسراج لا يخبو ضياؤه، ومصباح لا يخزن ذكاؤه، وشهاب لا يطفأ نوره، ومعدن لا تنقطع كنوزه» (٣)، ولا يخفى الفرق بين الأسلوب وبين النهج الكلامي ذي التقسيمات، والتفريعات المتشعبة، والمسالك العقلية الدقيقة التي يستعصي فهمها إلَّا على قلة من المتخصصين.

وإذا انتقلنا إلى الجامعين بين الاعتزال والتشيع بفرعيه الزيدي والاثني عشري، فسوف نجدهم لا يخرجون عن موقف المعتزلة العام في تقرير حجية


(١) المنية، والأمل: (٤٣ - ٤٤).
(٢) الجاحظ، حياته وآثاره: (٣٢١ - ٣٢٦).
(٣) أمراء البيان: (٢/ ٣٤٨).

<<  <   >  >>