معناها الأصلي من التشبيه؛ إذ رأوا أنَّها حينئذ تكون نافية الشبيه عن مثل الله، فتكون تسليمًا بثبوت المثل له سبحانه، أو على الأقل محتملة لثبوته وانتفائه؛ لأنَّ السالبة - كما يقول علماء المنطق - تصدق بعدم الموضوع.
أو (١) لأن النفي - كما يقول علماء النحو - قد يوجه إلى المقيَّد وقيده جميعًا، تقول:(ليس لفلان ولدٌ يعاونه) إذا لم يكن له ولد قط أو كان له ولد ولا يعاونه، وتقول:(ليس محمدٌ أخًا لعلي) إذا كان أخًا لغير علي أو لم يكن أخًا لأحد.
(وقليل منهم) من ذهب إلى أنه لا بأس ببقائها على أصلها؛ إذ رأى أنها لا تؤدي إلى ذلك المحال لا نصًّا ولا احتمالًا؛ لأن نفي مثل المثل يتبعه في العقل نفي المثل أيضًا.
وذلك أنه لو كان هناك مثلٌ لله لكان لهذا المثل مثل قطعًا وهو الإله الحقُّ نفسه، فإن كل متماثلين يعد كلاهما مثلًا لصاحبه، وإذًا لا يتم انتفاء مثل المثل إلا بانتفاء المثل وهو المطلوب.
وقصارى هذا التوجيه - لو تأمَّلته - أنه مصحح لا مرجح، أي أنَّه ينفي الضرر عن هذا الحرف، ولكنه لا يثبت فائدته ولا يبين مسيس الحاجة إليه؛ ألست ترى أن مؤدَّى الكلام معه كمؤدَّاه بدونه سواء، وأنه إن كان قد ازداد به شيئًا فإنما ازداد شيئًا من التكلف والدوران وضربًا من التعمية والتعقيد.
وهل سبيله إلا سبيل الذي أراد أن يقول:(هذا فلان) فقال: (هذا ابن أخت خالة فلان)؟ فمآله إذًا إلى القول بالزيادة التي يسترونها باسم التأكيد، ذلك الاسم الذي لا تعرف له مسمى ها هنا؛ فإن تأكيد المماثلة ليس مقصودًا البتة، وتأكيد النفي بحرف يدل على التشبيه هو من الإحالة بمكان.
ولو رجعت إلى نفسك قليلًا لرأيت هذا الحرف في موقعه محتفظًا بقوة دلالته، قائمًا بقسطٍ جليلٍ من المعنى المقصود في جملته، وأنَّه لو سقط منها
(١) هذا الترديد مبني على اختبار مضمون الجملة أو منطوقها؛ فعلى الأول يقع المثل موضوعًا؛ لأنها في قوة قولنا: (مثل ليس له مثل)، وعلى الثاني يبقى في المحمول؛ لأنه واقع في خبر ليس.