لسقطت معه دعامة المعنى، أو لتهدم ركن من أركانه، ونحن نبين لك هذا من طريقين، أحدهما أدق مسلكًا من الآخر.
(الطريق الأول) وهو أدنى الطريقين إلى فهم الجمهور: أنه لو قيل: (ليس مثله شيء) لكان ذلك نفيًا للمثل المكافئ، وهو المثل التام المماثلة فحسب؛ إذ إن هذا المعنى هو الذي ينساق إليه الفهم من لفظ المثل عند إطلاقه، وإذًا لدبَّ إلى النفس دبيب الوساوس والأوهام: أن لعل هنالك رتبة لا تضارع رتبة الألوهية ولكنها تليها، وأن عسى أن تكون هذه المنزلة للملائكة والأنبياء، أو للكواكب وقوى الطبيعة، أو للجن والأوثان والكهان، فيكون لهم بالإله الحق شبه ما في قدرته أو علمه، وشرك ما في خلقه أو أمره .. فكان وضع هذا الحرف في الكلام إقصاءً للعالم كله عن المماثلة وعما يشبه المماثلة وما يدنو منها، كأنه قيل: ليس هناك شيء يشبه أن يكون مثلًا لله، فضلًا عن أن يكون مثلًا له على الحقيقة، وهذا باب من التنبيه بالأدنى على الأعلى، على حد قوله تعالى: ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا﴾ [الإسراء: ٢٣]، نهيًا عن يسير الأذى صريحًا، وعما فوق اليسير بطريق الأحرى.
(الطريق الثاني) وهو أدقهما مسلكًا: أن المقصود الأولي من هذه الجملة وهو نفي الشبيه، وإن كان يكفي لأدائه أن يقال:(ليس كالله شيء) أو (ليس مثله شيء) لكن هذا القدر ليس هو كل ما ترمي إليه الآية الكريمة، بل إنها كما تريد أن تعطيك هذا الحكم تريد في الوقت نفسه أن تلفتك إلى وجه حجته وطريق برهانه العقلي.
ألا ترى أنك إذا أردت أن تنفي عن امرئ نقيصة في خُلقه فقلت:(فلان لا يكذب ولا يبخل) أخرجت كلامك عنه مخرج الدعوى المجردة عن دليلها.
فإذا زدت فيه كلمة فقلت:(مثل فلان لا يكذب ولا يبخل) لم تكن بذلك مشيرًا إلى شخص آخر يماثله مبرأً من تلك النقائص، بل كان هذا تبرئة له هو ببرهان كلي، وهو أن من يكون على مثل صفاته وشيمه الكريمة لا يكون كذلك؛ لوجود التنافي بين طبيعة هذه الصفات وبين ذلك النقصِ الموهوم.