للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوحي، بل كان ينزل عليه بلا معرفة سابقة منه، بل ولا تهيؤ (١)!

٢ - وكان النبي يقف من الوحي موقف التعظيم، ويخشى أشد الخشية أن ينسب لله تعالى ما لم يقله، ﴿قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي﴾ [يونس: ١٥].

٣ - ولم يكن الوحي يعكس شخصية الرسول ، ففي أكثر الأوقات لا يذكر عنه شيئًا، وتأمل - مثلًا -: حين مات عمه أبو طالب، وزوجته خديجة، وحزن لذلك حزنًا شديدًا، ومع ذلك لم يشر الوحي إلى ذلك، بل نجد في الوحي آيات اللوم والعتاب له .

٤ - ولا يمكن أن يكون الوحي نابعًا من الإخلاص الشخصي للنبي ، أو أنه من الأوهام اللا شعورية، وأنه اجترار لمعارف قديمة كانت طي النسيان، وذلك لأمور:

أولًا: لأننا لا نجد في التاريخ ما يمكن أن ينهض ليفسر استقامة الخط الذي اتبعه القرآن، وتفسير خطواته الجازمة الفاصلة.

ثانيًا: لا يوجد أدنى علامة تشير من قريب أو بعيد لخلل عقلي، بل العكس هو الصحيح.

ولأنه لا يمكننا التعرض لتجربة الوحي لنتأكد من صحتها، إلا أنه يمكننا التحقق من صحة الوحي بأمور، منها:

١ - الاتفاق في جوهر تعاليمه مع ما قرره الأنبياء السابقون، وهذا التطابق يفتح أعين الغافلين على صدقهم، وصحة مبادئهم التي تناولت بالوصف الحقائق العليا من زوايا مختلفة.

٢ - الحقائق العلمية - المتفقة تمام الاتفاق مع المشاهد الحسي، والواقع العلمي - المبثوثة في القرآن (٢).

٣ - الأخبار المستقبلية، والتي أخبر القرآن بتحققها، ووقعت كما أخبر.


(١) كحادثة الإفك.
(٢) من المهم مراجعة هذا الفصل في الكتاب: (١٨٧)، وما بعدها، لأنَّ المؤلف ذكر رؤيته لمسألة الإعجاز العلمي، وهي رؤية جديرة بالمطالعة.
قال الدكتور دراز تحت عنوان حقائق علمية: «ولكن القرآن في دعوته إلى الإيمان والفضيلة لا يسوق الدروس من التعاليم الدينية والأحاديث الجارية وحدها؛ وإنما يستخدم في هذا الشأن الحقائق الكونية الدائمة، ويدعو عقولنا إلى تأمل قوانينها الثابتة، لا بغرض دراستها وفَهْمِها في ذاتها فحسب؛ وإنما لأنها تذكِّر بالخالق الحكيم القدير، ونلاحظ أن هذه الحقائق التي يقدمها تتفق تمامًا مع آخر ما توصل إليه العلم الحديث»، ثم ذكر أمثلة لذلك.
وعلق على ذلك بقوله: «عند اختيارنا للآيات التي استشهدنا بها في هذه الفقرة، حرصنا على تلافي ما يعاب به على الطريقة التوضيحية المعروفة بالتأويل، والتي تتلخص في تفسير آيات القرآن بحيث تتفق نتائج التفسير مع النتائج العلمية المقررة.
ولكن الحماس دفع بعض المفسرين المحدثين إلى المبالغة في استخدام هذه الطريقة التوفيقية لصالح القرآن؛ بحيث أصبحت خطرًا على الإيمان ذاته؛ لأنها إما أن تقلل من الاعتماد على معنى النص باستنطاقه ما لا تحتمله ألفاظه وجمله، وإما أن تعول أكثر مما يجب على آراء العلماء، وحتى على افتراضاتهم المتناقضة، أو التي يصعب التحقق من صحتها.
وبعد أن نستبعد هذه المبالغات عن البحث، نرى أن من مقتضيات الإيمان - التي لا غنى عنها - أن نضاهي الحقائق الفورية التي نجدها في القرآن مع نتائج العلماء المنهجية البطيئة».

<<  <   >  >>