للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكانت تأتيه ويشرب من لبنها حتى قوي. وهذا الخبر يحتاج إلى دليل عن المعصوم، وليس فيه دليل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهو خبر إسرائيلي نتوقف فيه لا نصدق ولا نكذب، إن كان الله تعالى قيض له ذلك، فالله على كل شيء قدير، وهذا سبب حسي؛ لأن الإنسان يحتاج إلى غذاء، وإن كان الله تعالى قد قواه على تحمل الجوع والعطش، فهذا أيضًا ليس ببعيد، وحينئذ نجعل الآية فيه: أن الله قواه على خلاف العادة. أما إذا جعلناها وعلة فهنا يكون بقاؤه وتغذيته على حسب العادة من وجه، ومعجزة من وجه آخر، حسب العادة، حيث تغذى باللبن كغيره من البشر، وعلى خلاف العادة حيث قيض الله له هذه الوعلة التي ليست من جنسه، تأتي حتى يشرب من لبنها، لكن إذا قلنا: إن الله قوَّاه على تحمل الجوع والعطش صار هذا آية محضة، وليس هذا ببعيد، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما نهى عن الوصال قالوا: يا رسول الله إنك تواصل، والوصال يعني أن يقرن الصائم بين يومين لا يفطر بينهما، قال: "إني ليست كهيئتكم إني يطعمني ربي ويسقيني" (١) يعني بلا أكل ولا شرب، ومع ذلك يكتفي بما أودع الله في قلبه من محبة الله وذكره عن الغذاء الجسدي، أي يكتفي بالغذاء الروحي عن الغذاء الجسدي، فالله على كل شيء قدير، ونظير هذا من بعض الوجوه أن الله -سبحانه وتعالى- قال: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ


(١) أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب الوصال ومن قال: ليس في الليل صيام (١٩٦٣) ومسلم في كتاب الصيام، باب النهي عن الوصال في الصوم (١١٠٢) (٥٥).

<<  <   >  >>