للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المناظرة يمكن إبطال حجته بعدة أساليب منها: التحدي ولكن يجب أن يكون التحدي بما لا يمكن أن يقيم عليه البرهان والدليل؛ لأنك لو تحديته بشيء يمكنه أن يقيم عليه الدليل والبرهان، فأقام عليه الدليل والبرهان لخصمك ولضعف جانبك، فإياك أن تتحدى عند المناظرة إلا بشيء تعلم أنه لا يمكن أن يكون، ولهذا ذكر الله -سبحانه وتعالى- في محاجة إبراهيم مع الرجل حين قال إبراهيم: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} [البقرة: ٢٥٨] فإبراهيم -عليه الصلاة والسلام- تحداه أولًا بأن الله يحيي ويميت، وأنت أيها المحاج لا تحيي ولا تميت، فلما ادعى كذبًا أنه يحيي ويميت، وكان في ذلك تلبيس على العامة، لأنه قال: أنا أحيي وأميت، آتي بالرجل المستحق للقتل فلا أقتله، فهذا على زعمه إحياء، والحقيقة أن هذا ليس إحياءً ولكنه رفع سبب يكون به الموت، وقد يبقى هذا الذي رفعنا عنه سبب الموت وقد لا يبقى.

وقال: إني أوتى بالرجل البريء فأقتله، فهذا إماتة على زعمه، وهذا ليس بإماتة، ولكنه فعل سبب يكون به الموت، وقد لا يكون به الموت، فالحاصل أن إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- أراد قصر الطريق واختصاره، قال: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} [البقرة: ٢٥٨] فانقطعت الحجة {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} وهذا من آداب المناظرة وهو إفحام الخصم بما لا يمكن أن يقيم عليه الحجة والبرهان.

<<  <   >  >>