للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ليس ينزل في دورهم من أول وهلة، ولكنه ينزل بساحتهم ومنازلهم، ثم يهجم عليهم ويغير عليهم، وفي هذا استعارة -كما يقول البلاغيون- حيث شبه العذاب بعدو ينزل بهم يعني بساحتهم، ثم حذف المشبه به ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو النزول بالساحة، ومثل هذه الاستعارة يسمونها استعارة مكنية؛ لأنه حذف فيها المشبه به ورمز له بشيء من لوازمه.

{فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٧)} قال المؤلف -رحمه الله-: في {فَسَاءَ} [بئس صباحًا، {صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٧)}] وذلك لأن ساء من أفعال الذم، وأفعال الذم تحتاج إلى شيئين:

فاعل، وتمييز، فقدر المؤلف التمييز بقوله [صباحًا]، وأما الفاعل فهو في الآية، وهو قوله: {صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٧)} أي: بئس صباح المنذرين صباحًا، أو ساء صباح المنذرين صباحًا، فالمؤلف قدّر التمييز، ولكن هل هذا التقدير لازم؟ الصحيح أنه ليس بلازم، وأن الفاعل يسد مسده، كما في هذه الآية وفي كثير من الآيات أيضًا مثل: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٤٤)}. [ص: ١١] ولم يقل: نعم العبد عبدًا.

{فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٧)}: المنذرين اسم مفعول أي ساء صباح القوم الذين لا حجة لهم، لأنهم أُنذروا وقامت عليهم الحجة فليس لهم عذر. قال المؤلف -رحمه الله-: [فيه إقامة الظاهر مقام المضمر]. لأن مقتضى السياق أن يقول: فإذا نزل بساحتهم فساء صباحهم، لكنه قال: {فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٧)} فأقام الظاهر مقام المضمر.

<<  <   >  >>