للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فعبودية القدر شاملة لكل أحد. يعني للمؤمن والكافر، والبر والفاجر، كما قال تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (٩٣)} [مريم: ٩٣] فالكل خاضعون لقدر الله -عز وجل-، لا يمكنهم الفرار منه ولا مصادمته ولا الاستكبار عنه.

أما عبودية الشرع فهي خاصة بمن أطاع الله عز وجل وتعبد لله بشرعه، فيخرج منها الكافرون؛ لأن الكافر لا يتعبد لله بشرعه، بل هو مستكبر عن شرعه، هذه الآية: {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (٤٠)} من عبودية الشرع يعني إلا الذين تعبدوا لله بشرعه وأخلصهم الله تعالى لطاعته، فهؤلاء ليسوا كمن سبق.

قال: {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (٤٠)} قال المؤلف: -رحمه الله-[أي المؤمنين] ولكن المخلَص فيه نوع اصطفاء أخلصهم الله لنفسه، فكانوا عبادًا لله لا لغيره؛ لأن التزام طاعة الله هو تحقيق عبادة الله تعالى، والإنسان العاصي لله تعالى عنده من الخروج عن عبادة الله بقدر ما حصل منه من المعصية؛ لأن الله تعالى قال: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية: ٢٣]. فهذا يدل على أن كل إنسان عصى الله فهو إنما يعصيه لهوى في نفسه، فإنه قد نقص من عبودية الله بقدر ما فعل من المعصية.

إذًا فالمخلص فيه نوع من الاصطفاء. أخلصهم الله لنفسه فكانوا عبادًا لله تعالى حقًّا، ولهذا قال {الْمُخْلَصِينَ (٤٠)}. وعباد الله المخلصون هم الذين أخلصهم الله لنفسه، فلم يجعل للشيطان عليه سلطانًا، كما قال تعالى في حق الشيطان: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٨٣)} [ص: ٨٢ - ٨٣] فالمخلص

<<  <   >  >>