للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغيث من السماء وإنبات الزرع، ولا تستقيم الحياة إلا في ظل هذين البعدين (١)، الأمن الشامل والرخاء العام؛ ولذلك جاء بعد هذه الآية قوله تعالى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (٩٧) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٩٨) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: ٩٧ - ٩٩]. وجاء هذا الوعيد الشديد بعد قوله تعالى: {وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف: ٩٦].

الثَّانية: النصر والعزة والتمكين في الأرض، قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: ٥٥].

قال بعض المفسرين: (هذا من وعوده الصادقة، التي شُوهِدَ تأويلها ومخْبَرُها، وأن يُمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وهو دين الإسلام، الذي فإن الأديان كلها، ارتضاه لهذه الأُمَّة، لفضلها وشرفها ونعمته عليها، بأن يتمكنوا من إقامته، وإقامة شعائره الظاهرة والباطنة، في أنفسهم وفي غيرهم، لكون غيرهم من أهل الأديان، وسائر الكفار، مغلوبين ذليلين، وأنه يبدلهم أمنًا من بعد خوفهم، حيث كان الواحد منهم لا يتمكن من إظهار دينه، وما هو عليه إلا بأذى كثير من الكفار، وكون جماعة المسلمين قليلين جدًا، بالنسبة لغيرهم، وقد رماهم أهل الأرض عن قوس واحدة، وبغوا لهم الغوائل، فوعدهم اللَّه هذه الأمور، وقت نزول الآية، وهي لم تشاهد الاستخلاف في الأرض، والتمكين فيها، والتمكين من إقامة الدين الإسلامي، والأمن التام، بحيث يعبدون اللَّه ولا يشركون به شيئًا، ولا يخافون أحدًا إلَّا اللَّه، فقام صدر هذه الأُمَّة، من


(١) انظر: (عبد المنعم أبو زنط): (التميز الإسلامي): (ص: ١٧)، مرجع سابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>