للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - من المؤكد أن الغرب قد تعرف على الإسلام وعالمه في وقت مبكر، ولذلك دلائل تاريخية متعددة لعل من أشهرها قصة أبي سفيان التي أوردها البخاري في صحيحه عن عبد اللَّه بن عباس -رضي اللَّه عنهما-: (أن أبا سفيان بن حرب أخبره: أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش، وكانوا تجارًا بالشام، في المدة التي كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مادَّ فيها أبا سفيان وكفار قريش (أي صالحهم على ترك القتال فيها)، فأتوه وهم بإيلياء (بيت المقدس)، فدعاهم في مجلسه، وحوله عظماء الروم، ثم دعا بترجمانه. . .) (١) الحديث.

وخلاصة القصة أن هرقل سأل عن أخلاق الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعن سيرته في قومه ودعوته إياهم، وأجابه أبو سفيان بغاية الصدق رغم جاهليته آنذاك، وبعد أن سمع هرقل أجوبة أبي سفيان قال في الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قولًا حسنًا وقرأ كتاب الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي دعاه فيه إلى الإسلام قال أبو سفيان -كما جاء في الحديث المذكور- (فلمَّا قال ما قال، وفرغ من قراءة الكتاب، أكثر عنده الصخَبُ وارْتَفَعت الأصوات وأُخْرِجْنا، فقلت لأصحابي حين أُخْرِجْنا: لقد أَمِرَ أَمْرُ ابن أبي كبشة، (أي: عظم شأنه، ويقصد بابن أبي كبشة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- انتقاصًا وغمزًا)، إنَّهُ يخافه ملك بني الأصفر، فما زلت موقنًا أنَّه سيظهر حتى أدخل اللَّه عليَّ الإسلام) (٢).

وفي هذه القصة دلالةً واضحة على اهتمام الروم بالإسلام ومراقبة حركته وجمع المعلومات عنه منذ زمن مبكر (٣)، ولا غرابة في ذلك لأن


(١) البخاري: صحيح البخاري: (١/ ٧)، الباب الأول - بدء الوحي - الحديث رقم: (٧)، تحقيق وترتيب: مصطفى ديب البُغا، مرجع سابق.
(٢) جزء من الحديث السابق، المرجع السابق نفسه: ص: (٩).
(٣) ومما ورد في بعض المصادر التاريخية وكتب التفسير ودلائل النبوة: (أن الروم يحتفظون بصور للأنبياء وأن صورة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- قد أُظهرت لبعض الصحابة في رحلته إلى الشام)، =

<<  <  ج: ص:  >  >>