والابن والروح القدس)، لا تتمتع واحدة منها بالوضوح لدى المؤمنين بها، ولهذا تعتمد على الإيمان بغير برهان. . . بخلاف قضية التوحيد فهي تستند إلى العقل، وتعتمد على البرهان (فيما يدركه العقل أمَّا ما كان فوق مدرج العقل الإنساني فإنّ معرفته عن طريق الوحي)، قال تعالى للمشركين:{أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[النمل: ٦٤]، ويقيم الأدلة على الوحدانية بمثل قوله:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}[الأنبياء: ٢٢]، {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}[المؤمنون: ٩١]، فالتوحيد في حد ذاته قضية واضحة في ضمير كل مسلم، ودليلها أيضًا واضح في فكره، كما أن أثرها كذلك واضح في حياته) (١).
كذلك ما يتعلق بالنظرة للحياة الآخرة، والإيمان بالوحي والرسالات وعالم الغيب فكل ذلك يعتقده المسلم وفقًا لما جاء به الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- وما علَّمَ به أمته، قال تعالى: {الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: ١ - ٥]، قال بعض المفسرين: (وليس الشأن في الإيمان بالأشياء المشاهدة بالحس، فإنَّه لا يتميز بها المسلم من الكافر، إنَّما الشأن في الإيمان بالغيب، الذي لم نره ولم نشاهده، وإنَّما نؤمن به، لخبر اللَّه وخبر رسوله، فهذا الإيمان الذي يُمَيَّزُ به المسلمُ من الكافر؛ لأنَّه تصديق مجرد للَّه ورسوله، فالمؤمن يؤمن بكل ما أخبر اللَّه به، أو أخبر به رسوله، سواء شاهده، أو لم يشاهده وسواء فهمه وعقله، أو لم يهتد إليه
(١) انظر: يوسف القرضاوي: الخصائص العامة للإسلام: ص ١٨٧، ١٨٨، الطبعة الثالثة، ١٤٠٥ هـ - ١٩٨٥ م، عن مؤسسة الرسالة - بيروت.