أمَّا من حيث ارتباطها بالعقيدة فإنَّ الآيات الواردة في تقرير أمور العقيدة كثيرًا ما تتناول قضية الحقوق والواجبات والأخلاقيات والآداب مثل قوله تعالى:{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}[البقرة: ١٧٧].
قال بعض المفسرين في تفسيرها:(دخل في ذلك حقوق اللَّه كلها، لكون اللَّه ألزم بها عباده والتزموها، ودخلوا تحت عهدتها، ووجب عليهم أداؤها، وحقوق العباد، التي أوجبها اللَّه عليهم، والحقوق التي التزمها العبد. . .)(١).
وعندما ينطق المسلم:(لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه)، (تأتي أهمية الشهادة الثانية وخطورتها وضرورتها وهي محمد رسول اللَّه، فمعناها عهد من الناطق بها على أنَّه يلتزم بالخضوع للَّه حسب ما جاء به محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- فقط، ونبذ كل ما على الأرض من أساليب الخضوع للَّه سواء كانت وضعية أو سماوية؛ لأن ذلك كله باطل من ناحية، كما أنَّه من الناحية العملية لا يحقق إفراد اللَّه تعالى بالخضوع، كما لا يحقق الخضوع التام اللائق بألوهيته تعالى، لذلك لا تنفصل الشهادتان عن بعضهما، فلو أخذ فرد أو مجتمع الشهادة الأولى (لا إله إلا اللَّه) وترك الثانية، لما كان موحدًا ولما أفرد اللَّه بالألوهية ولما قصر الخضوع له إلا قولًا فقط، وشأنه شأن الظمآن الذي يريد أن يرتوي بالاقتصار على التلفظ بكلمة ماء، فلا سبيل ولا كيفية عملية لإفراد اللَّه تعالى بالألوهية، أو لتحقيق الشهادة الأولى إلا بالإيمان