للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يعني هذا التقسيم أو أي تقسيم نحوه استقلال جانب عن غيره من جوانب الشريعة، بل تتسم بالإحاطة والشمول من جانب آخر، وهو (شمول الأخذ والتطبيق فمن خصائصها أنها لا تقبل التجزئة لأنها كل مترابط متداخل، كترابط الإنسان وتداخله في كيان واحد) (١)، يؤثر بعضه في بعضه الآخر، ولا يصح (أن يؤخذ ببعضه ويترك بعضه؛ لأنه كل متكامل لا يمكن الاستغناء عن شيء منه بحال، ولا يستطيع نظام آخر من أنظمة البشر أن يحل محله أو محل بعضه أو يشاركه في تحقيق مصالح الناس) (٢).

وقد أنكر اللَّه على الذين يلتزمون ببعض أحكام الشريعة ويطبقونها ويفرطون في بعض أحكامها الأخرى ولا يلتزمون بها، بل ربما عملوا بضدها، فقال تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: ٨٥].

قال ابن كثير في تفسيرها: (يقول اللَّه تبارك وتعالى منكرًا على اليهود الذين كانوا في زمان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالمدينة، وما كانوا يعانونه من القتال مع الأوس والخزرج. . . فكانت الحرب إذا نشبت بينهم قاتل كل فريق مع حلفائه فيقتل اليهودي أعداءه، وقد يقتل اليهودي الآخر. . وذلك حرام عليهم في دينهم ونص كتابهم. . . ثم إذا وضعت الحرب أوزارها استفكوا الأسارى من الفريق المغلوب عملًا بحكم التوراة) (٣)، فدلَّ ذلك على أن الشريعة لا تقبل التجزئة، وأنها ملزمة ومرتبطة بالإيمان.

خامسًا: الثبوت والتحول اشتملت الشريعة الإسلامية على أحكام ثابتة


(١) محمد رأفت سعيد: المدخل لدراسة النظم الإسلامية: ص: (٥١)، (مرجع سابق).
(٢) علي عبد الحليم محمود: الغزو الفكري. .: ص: (٦٦)، (المرجع السابق نفسه).
(٣) تفسير القرآن العظيم: (١/ ١٢٠)، (مرجع سابق).

<<  <  ج: ص:  >  >>