للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أهم مظاهر أزمة العقل المسلم: اختلال الموازين والأولويات التي وضعها الإسلام في نصابها، فوقع فيها -على مرِّ العصور- تقديم وتأخير، وتفخيم وتقزيم، على خلاف وضعها الحق) (١).

وفي ختام هذا يحسن الربط بين الشريعة الإسلامية بخصائصها ومنطلقاتها وغاياتها وبين ما قاله ابن منظور في معناها اللغوي من أنَّ (العرب لا تسميها شريعة حتى يكون الماء عدًّا لا انقطاع له، ويكون ظاهرًا معينًا لا يسقى بالرِّشاء) (٢)، فإنَّ هذا المعنى متحقق في الشريعة الإسلامية وهي بخصائصها التي سبق شرح مجملها تعد من مقومات تميُّز الأمة الإسلامية ذلك التميُّز الذي تسنَّم القمة في تاريخ الأمم والشرائع عندما أنزل الحق سبحانه وتعالى على رسوله محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- خاتم الأنبياء وسيد المرسلين قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: ٣]، وكانت حكومة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- النموذج الأمثل في تطبيق الشريعة، والسلطة السياسية التي تنفذها وتشرف على تطبيقها (٣)؛ دستورها كتاب اللَّه وسنّة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم سارت الأمة منذ عهد الصحابة والسلف الصالح وحتى العصر الحاضر، وإلى أن يأتي أمر اللَّه في ظل هذه الشريعة الخالدة، (ومن الحقائق المسلمة أن الشريعة الإسلامية قد وسعت العالم الإسلامي كله على تنائي أطرافه وتعدد أجناسه، وتنوع بيئاته الحضاريَّة، وتجدد مشكلاته الزمنيَّة. . . وأنَّها -بمصادرها ونصوصها وقواعدها- لم تقف يومًا من الأيام مكتوفة اليدين أو مغلولة الرجلين، أمام وقائع الحياة المتغيِّرة. . وأنَّها ظلت القانون المقدس المعمول به في بلاد الإسلام


(١) طه جابر اللواني: مقدمة المرجع السابق نفسه: ص: [د].
(٢) لسان العرب: مادة (شرع)، (مرجع سابق).
(٣) انظر: علي عبد الحليم محمود: الغزو الفكري. .: ص: (٦٧، ٦٨)، (مرجع سابق).

<<  <  ج: ص:  >  >>